أجزأه ، بل قوله : فقبل الغسل يجزي عنه ، ؛ لأن قولك : جاء زيد قبل عمرو يقتضي مجيء عمرو ، وكان غيره لا يقتضيه ، لأنك تقول : [...] زيد ابنه قبل أن يتزايد لابنه الولد ، ولا يلزم منه أن يكون لابنه ولد ، ويحتج عليه بآيات من القرآن منها هذه ، وكان الآخر يجيب بأن هذه في سياق الشرط يتركب من المحال ؛ لأن المحال يستلزم محالات ؛ لأن كون البحر مدادا لكلمات الله ونفاذ كلمات الله محال.
قوله تعالى : (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً).
وقال في لقمان (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [سورة لقمان : ٢٧] فانظر أيهما أبلغ؟
قال ابن عرفة : كلاهما بليغ ؛ لأنه ليس المراد نفس سبعة أبحر بل هو مبالغة ، وكذلك هنا ليس المراد مثله فقط بل مثله ومثل مثله إلى ما لا نهاية له.
وقوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ).
اعلم أن لو حرف امتناع ، وينتفي منها عند الأصوليين الأول لانتفاء الثاني ، وكذا عند المنطقيين خلافا للنحويين ؛ بدليل قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) [سورة الأنبياء : ٢٢] فانتفت الآلهة لانتفاء الفناء.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).
يؤخذ منه أن المماثلة بين الشيئين لا ينافي اختصاص أحدهما بأمر دون الآخر ، فالأنبياء عليهمالسلام مماثلون لنا في الخلق في الأمور الذاتية ، وإن اختصوا بأمر عرضي ، ويؤخذ منه أن هداية نفوسهم مماثلة لغيرهم ، فليست النبوة أمرا مكتسبا بوجه ؛ بل هي خصوصية ألحقهم الله بها من غير تطبع ولا اختلاف مجاز.
قوله تعالى : (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ).
إن قلت : تغليب على المخاطب ؛ فهلا قال : إنما إلهنا إله واحد ، فالجواب : أنه موحد لله تعالى لا يعتقد له شريكا ، والآية حيث مخرج الرد عليهم ؛ فناسب أن يقول (إِلهُكُمْ) لأنهم يشركون به ، والوحدة في الأمر الذاتي ، والأمر الحكمي.
قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ).
ولم يقل : يرجو لقاء ربكم ، ولذلك لم يقل : فاعملوا صالحا تهيئا لهم على العمل الصالح ، والرجاء إما على بابه ، أو بمعنى الخوف على جهاز المجاز.