ابن عرفة : القول ماض ؛ لقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) فلم يعبر هاهنا وفي سنكتب ما يقول ، فالجواب : جاء بوضع المستقبل موضع الماضي إشارة إلى دوام ذلك وبقائه ، وإما باعتبار أنه قال ذلك في الماضي ، ولم يزل مسند بما عليه يعتقده ويكرره ، وإما للمشاكلة باعتبار ما قبله وما بعده ؛ لأن قبل الأول : (سَنَكْتُبُ) ، وبعده (وَنَمُدُّ) ، وقبل الثاني : (وَنَرِثُهُ) وبعده (وَيَأْتِينا).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ).
[٥٣ / ٢٥٤] ابن عرفة : وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما تقدم الكلام على كفر الكافرين وعبادة الآلهة من دون الله تعالى ؛ مع قوله تعالى : (سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) أوحى إلى النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم لئلا يقع في نفسه منه حزن عليهم وتأسف وفقا لك ؛ لأن المصنوع صنعة فاسدة إذا رأى الجاهل بها لا يتأتى لفساده ، وإذا رآه العالم بالصنعة يتأثر لفساده ؛ فكذلك النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم تأثره بكفر هؤلاء ليس كتأثر غيره لعلمه بحقائق الأمور وعواقبها ، فجاءت هذه الآية على سبيل التسلية له من الحزن الواقع بنفسه والرؤية عليه ، لا مما يقصر ؛ أي لم تعلم أنا أرسلنا الشياطين وعلى الكافرين الضلالة والهداية ؛ أي بفعلنا وقدرتنا ، فالله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، ففوض أمر هذا إلى الله ولا تحزن عليهم بوجه فقد وفيت بها بما طغت به إذ لو شئت لمنعناهم قهرا.
وقال ابن عطية : أرسلنا شيطانا ويحل بينهم وبينهم اعتزال في قوله : على بينهم وبينهم ، ؛ لأنه يتبع الريب أي وهو معتزلي فيقول أحيانا وينقل كلامه بعينه ، فيعتزل من حيث لا يشعر.
فإن قلت : كيف يفهم هذا ؛ لأن ظاهر الآية تقدم كفرهم على إرسال الشياطين عليهم؟ مع أن إرسال الشياطين في كفرهم ، قلت : الجواب : فإن المراد بالكافرين الصابرين من الكفر.
كما قال الزمخشري في قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة : ١] ؛ أي الصابرين للتقوى ، وأما بأن المراد شدة الإزعاج والتهيج بقوة ، ويكون المتقدم عليهم الإرسال بوسوسة حقيقة ليس فيه إزعاج بقوة ، والدليل عليه تأكيد إن بالمصدر مع أن مادته تقتضي الشدة.
قوله تعالى : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا).