الأول : لابن عطية : نحن نصرناه يعني خلصناه وعصمناه ؛ لأن هذا الأمر ليس من سببه ولا له تكسب بوجه ولا قدرة على إخراقهم ؛ بل لا قدرة له على تخليص نفسه منهم.
ورده السفاقسي بأن هذا مرادف له.
قال ابن عرفة : هذا لا يليق به ؛ أي لا يضمن الفعل إلا معنى فعل غير مرادف له في المعنى.
الجواب الثاني : قال الزمخشري : نصر مطاوع النصر ، وسمعت هذليا يدعو على سارق يقول : اللهم انصره منه ، أين تقديره عدى بمن كما عدى انتصر بها.
ابن عرفة : ويراد بأنه لا يلزم من تعدي فعل بحرف تعدي فعل بحرف تعدي غيره به ، والصواب تقديره بأن فعل المطاوعة لازم للفعل الذي جعل مطاوعا له ، فانتصر لازم لنصر ، وما عرض للازم فهو عارض للزومه ، واستدلال الزمخشري بما سمعه وتركه الاستدلال بالقرآن ضعيف بجواز كون الهذلي ممن لا يوثق بعربيته ، ولفظ القرآن أوثق من شعر الآحاد ، وهو في القرآن كذلك ولو شاء الله ما انتصر منهم.
قلت : وقال ابن عرفة : كلام الزمخشري مردود بوجهين :
الأول : أن كلام الله ما انتصر منهم الهذلي إلا به فلا إشكال فيه كما في الآية.
الثاني : أنه ترك الاحتجاج بالقرآن ، وهو قوله تعالى : (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) [سورة محمد : ٤] ، قال : تقدير كلامه أنه يقول : نصر مطاوعة أن يتعدى بعلى ومن ، فكذلك يتعدى إذ كل ما لزم الأخص عم لزم الأخص.
ورده بعض الطلبة بأن نصر يتعدى بنفسه ، والنصر قاصر فبطل قولهم كل ما لزم المطاوع لزم مطاوعة.
وأجاب ابن عرفة بأن عدم التعدي أمر عادي ، وكل ما انتفى عن الأعم لا يلزم أن ينتفي عن الأخص ، إنما اللزوم بينهما في الثبوت لا في العدم.
قال : وكان بعضهم يقدر كلام الزمخشري بأن الأعم الأغلب في نصر ، إنما يرد فيمن عاقب من ناوأه من غير أن يتقدم له عليه ذنب يستحق به العقوبة ، قال تعالى (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [سورة الشورى : ٤١].
قال : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [سورة القمر : ١٠] وقد وقعت هنا نصر فدل بمعنى أنها انتصر فهذا الذي حمل الزمخشري على ذلك الجواب.