جمع الفاعل هنا لم قال : (وَتَرَى النَّاسَ) فأفرده.
فأجاب الزمخشري : أن المرأى هناك الزلزلة وكل أحد يراها ، والمرئي وكل أحد يرى غيره ولا يرى نفسه.
قال ابن عرفة : وأجاب بعضهم : بأن الأولى ليس فيها ما يمنع من إسناد الفعل إلى الجميع ، والثانية فيها المانع ، وهو وصف السكر ؛ لأن السكران لا يرى شيئا.
قال ابن عرفة : وفي الآية انطباق ، وهو تارة يكون بين الشيء ، وهذه كقوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) [سورة التوبة : ٨٢] ، كقول الشاعر :
لا تضحكي يا سلم من رجل |
|
منحك المشيب بوجهه فبكى |
ابن عرفة : وتارة يكون بين المنفي والإثبات ، كقوله :
يفضي إليّ من حيث لا أعلم النوى |
|
ويرسل إلى الشوق من حيث لا أعلم |
أنشدهما ابن مالك في المصباح ، ومنه قوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سورة يوسف : ٢١] ، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، ومنه هذه الآية ، وذكر ابن الحاجب أن من تحقيق المجاز من جهة نفيه وهذه الآية منه ؛ لأن قوله تعالى : (وَما هُمْ بِسُكارى) دليل على شكرهم مجازا.
قال ابن عرفة : وفي الآية سؤال ، وهو أنه قال تعالى في الأولى (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ)(١) ، وفي الثانية : (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ) فهلا قال : يوم تذهل كل ذات رضاع ، أو يقال : وتمنع كل حامل وكل مرضعة؟ قال : وعادتهم يجيبون بأن ذو تفيد مبادئ الشيء وأوائله ، فلو قيل : أو تضع كل حامل لا تناول الحمل اللفظ المحقق ووضعه أسرع وأقرب من وضع العلقة والمضغة ، فلما قال : (كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ) أفاد وضع العلقة أو المضغة ، فهو أصعب من وضع ما فوقها ، ؛ لأن الذي فوقه من باب أحرى.
قوله تعالى : (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ).
احتراس ؛ لأن الآيتين متناقضتان فأفاد [٥٥ / ٢٦٥] أن سكرتم باعتبار ما نالهم من العذاب فوجوده لوجوده العذاب ، ونفيه باعتبار ذاته.
__________________
(١) وردت في المخطوطة : يوم تذهل كل مرضعة ووردت في المصحف : يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ ، وقد أثبتنا ما في المصحف.