فهو ثان عنه الصلاة واللغو عامان بجميع الناس ، والزكاة خاصة ، فكانت ثالثة عنهما ، ولما كانت هذه الثلاثة أمور خاصة ، والنكاح أمر تكميلي ليس بحاجي لا سيما إذا قلنا : إنه من باب الفكاهات لا من باب الأقوات ، فكان حفظ الفروج أمر خارجا عنهما والأمانة خاصة بمن يصلح بها لا بكل الناس ، والمحافظة هو الإيمان بها في أوقاتها ولما كان وجوبها متقدما على تعيين أوقاتها ، ذكرت أولا ثم ذكرت المحافظة عليها في أوقاتها بعد ذلك ، ولما كانت أوقاتها محددة شيئا بعد شيء أتى بالمحافظة عليها بالفعل ، بخلاف الإعراض عن اللغو وفعل الزكاة وحفظ الفروج ورعي العهود والأمانة ، فإن المراد منهم الثبوت على ذلك ، والميراث إما أخذ الشيء بموجب ، وهو الميراث الشرعي ، وبغير موجب ، وهو إرث الفردوس ؛ لأنه ليس في مقابلة العمل بل مخص فمحتمل من الله عزوجل ، هل يرجع هذا إلى الحصر أو مبني على تقيد إذا تعقب عملا؟ هل يعم الجميع أو يرجع إلى الآخر؟ فهل مجموعهم يرثون الفردوس ، أو كل واحد منهم؟
قوله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً).
عطف الأول بثم ، والثاني بالفاء قيل لبعد ما بين النطفة والعلقة ، وقرب ما بين النطفة والمضغة ، ورد بأن الشارع ساوى بينهما في قوله ، ثم تكون نطفة أربعين ثم علقة أربعين ، وأجيب : بمكان إفساد النطفة بخلاف العلقة.
قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ).
عبر عن الأول مؤكدا بأن واللام ، وأما في الثاني بأن فقط والمتبادر للذهن العكس ، بأن الموت لم ينكره أحد ، والبعث ينكره الكفار ، والحكماء والفلاسفة ، وأجيب : أنه من باب حمل اللفظ على غير ظاهره مثل : جاء شقيق عارض رمحه إن بغى [...] فيهم بدفع فهم بعصيانهم ومخالفتهم لم يعملوا على الموت ، فحالهم كحال [...] ، وما كانت دليل البعث ظاهره صادقا للثابت.
قال ابن عرفة : من هذا لا يتم إلا على مذهب المعتزلة في قاعدة التحسين والتقبيح وجوب الإعادة ، قلت : إما أن يجيب بأنهم دليل البعث الفعلية ظاهره ونحن نقول دليل البعث السمعية علما ظاهره ، فإن قلت : لم عبر عن الموت بالاسم ، وعن البعث بالفعل ، قلنا : لما تقدم من الجواب في التأكيد.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ).