قوله تعالى : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ).
إن قلت : قد خاطبه بقوله : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [سورة هود : ٤٥] ، قلنا : سأله عن سبب نزوله ، ولم يطلب منه رفع العذاب ، وإنما سأله ليعرف موجب قدرته ؛ لأنه كان وعده تنجية أهله وهو يعتقد أنه منهم وعطف : قال الأولى بالفاء ، لأنها في قضية نوح عليهالسلام ، وهو أول من بعث فناسب مبادرة قومه بالتكذيب لعقب الرسالة ؛ لأنه لم يتقدم له نظر في ذلك ، فجاءهم بأمر غير معهود لهم ، وأما الثاني فهي قضية هود وصالح ، وقد تقدم قبله إرسال نوح عليهالسلام بزمان متطاول وغيره ، فعطفه بالواو التي تقتضي الترتيب والتعقيب ولا تنفيهما ، فيحتمل أنهم قالوا ذلك عقب إرساله أو بعده بزمان طويل ، إن قلت : لم قال أولا (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) ، وقال تعالى ثانيا (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) ، قلنا : الجواب كالجواب المتقدم ، فإن القضية الأولى من قوم لم يعهدوا الرسالة فالكفر فيهم متصل ثابت فبدأ به تنبيها على أنه حاصل لهم على هذه المقالة ، وأما الثانية فابتدأ فيها بالقوم إشارة إلى أن كفرهم غير عام فيهم ، وأن القائل بعض القوم لا كلهم ، ويحتمل أن يجاب بأنه قدم القول وهنا العطف على وصفهم بالكفر غيره من الصفات.
قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً).
عطف على جواب الشرط فظاهره أنه يقول : تعقب الاستواء على الفلك مع أنه إنما يقول ذلك حين تركه في الفلك في الأرض ، إما أن يكون اكتفى بدلالة القرائن على ذلك أو يكون أمر أن يدعوا بذلك حين الاستواء لينزل إلى الأرض مطمئنا ، أو المراد أنزل على الذي أنا فيه فيكون دعاء بأن ينزل السفينة في محل يصلح لها خشية أن ينزل في محل يفسدها فيصادف حينئذ بكسرها.
قوله تعالى : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ).
الكلام فيه كالكلام في (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون : ١٤].
قوله تعالى : (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ).
ولم يقل فقولوا الحمد لله ، وإنما أفرده بالخطاب ؛ لأنه هو المقصد الأمر بالذات ومنزل إما اسم مصدر أو اسم مكان.
قال ابن عرفة : والصواب أنه اسم مكان ؛ لأن المصدر معنى من المعاني ، والمعاني تجمل ولا تثبت بخلاف المكان.
قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً).