والمراد بمجيء الحصول ، وبعد حصول الموت هو الذي يطلب الرجوع ؛ لأنه على مذهبنا انتقال من دار إلى دار ، لا إعدام لبقاء النفس الناطقة ، والروح فيه تطلب الرجوع البدني لدار الدنيا ، فلا تسعف بذلك.
قوله تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ).
أي من أمامهم ، وعبر بلفظ الواو إشارة إلى تحقيق وقوعه ، وأنه أمر واجب لابد منه ، فهو طالب عليهم ، كطلب من يتبع الإنسان من خلقه ، لأنه لا مفر له عنه بوجه ، بخلاف من هو أمامه ، فإنه قد يجيبه شمالا ويمينا.
قوله تعالى : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ).
أي الأنساب ثابتة أي نافعة ، وإلا فالأنساب موجودة ، ويحتمل أن يكون على التوزيع أو بين كل شخصين نسب ، ويحتمل الجميع ، لأنه قد يكون بين كل شخصين أنساب ، فيكونان ابني عم وزوجان ، أو أخوين ، وإلا فرد اللفظ عام للجميع ، وقوله تعالى : (فَلا أَنْسابَ) ، إشارة إلى الآباء عدوهم الأصحاب ، فلا يسأل أحدهما الآخر عن حاله ، بل كل أحد مشغول بنفسه.
قوله تعالى : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا).
يدل على اتصافهم بمذهب الجبرية القائلين : بأن لا قدرة للعبد ولا كسب ، لأنهم آتوا هذا عذرا لهم ، أن هذا أمر قدر علينا لا طاقة لنا به ، كقول آدم لموسى صلّى الله على نبينا محمد وعليهما وسلم : أيلومني في أمر قدر علي ، وقولهم (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) ، يدل على اعتقادهم أن لهم كسبا واختيار.
قوله تعالى : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ).
قال الزمخشري : وعن ابن عباس رضي الله عنهما لهم ست دعوات ، إذا دخلوا النار ، قالوا ألف سنة : ربنا انصرنا ، وسمعنا يجابون حق القول مني.
ابن عرفة : يحتمل أن يجابوا بذلك في كل مرة ، أو في المرة الأخيرة ، وهو وكذلك الحكم في الست دعوات إلى آخرها ، قال ابن عطية : ونهيهم عن الكلام ، وهم لا يستطيعون الكلام مبالغة في المنع ، أورده ابن عرفة : بوجهين :
الأول : أنهم يستطيعون الكلام وقد قالوا : يا مالك ليفض علينا ربك وتكلموا بغير هذا ، وقد ورد الدعاء بالواجب فكذلك النهي عما هو غير مستطاع.
قوله تعالى : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ).