قوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً).
قال ابن عرفة : بين إما ظرف وإلا مفعول ، وهل البين بنفسه هو الحاجز ، أو شيء آخر يحل فيه ، وكان بعضهم يرجح الأول خوف التسلسل وتداخل الأجسام ؛ لأنه إذا كان الحاجز بينهما شيئا آخر فما الحاجز بين ذلك الشيء وبينهما ، فإن كان شيء آخر فتسلسل الأمر وإن لم يكن ، ثم حاجز لزم تداخل الأجسام وعدم الحاجز قرئ في كمال الفرد.
قوله تعالى : (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [٥٨ / ٢٨٤] قال ابن عرفة : عادة الطلبة يقولون : لأي شيء أعاد المسند إليه هنا ولم يعده ، في قوله تعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً).
ولم يقل : ومن جعل خلالها أنهارا ، وقال : وتقدم الجواب بأن المعطوفات في الأولين منحصرة في نوع واحد ؛ لأن الهداية راجعة إلى القوة العلمية ، وإرسال الرياح راجع إلى أثر القدرة.
قوله تعالى : (عَمَّا يُشْرِكُونَ).
إنما ذكر الإشراك هنا ، بقوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [سورة الإسراء : ٦٧] ، فالإنسان في لجج البحار يستحضر مقام التوحيد ، ويلقي اعتقاد التشريك ، فناسب أن يعقب بتنزيه الله على نقيض ذلك.
قوله تعالى : (ثُمَّ يُعِيدُهُ).
ابن عرفة : هو على تقدير مضمر ، أي ثم يميته ثم يعيده ، وأورد الزمخشري : أنهم ينكرون الإعادة ، فكيف ينكر عليهم عدم الإيمان ممن يعيدهم؟ وأجاب : بأن الدلائل الدالة على الإعادة قائمة عليهم.
قال ابن عرفة : وإذا بنينا على هذا الجواب يكون في الآية حجة على المعتزلة ، لإنا أجمعنا نحن وهم على جواز الإعادة عقلا ، واختلفنا في وجوب وقوعها ، فهم قالوا : أنها واجبة عقلا بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين عندهم ، ونحن نقول : وقوعها واجب بالسمع ، وهو إخبار الشارع بوقوعها لا بالعقل.
قوله تعالى : (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ).