الاحتراس والتكميل وأخر (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ) ، إشارة إلى قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " من كان آخر قوله لا إله إلا الله دخل الجنة" (١).
قلت : وتقدم لنا أنه إنما أخره ؛ لأنه كالعلة الغائبة التي قال الحكماء فيها : أول الفكرة آخر العمل ، فأفاد أن فعلهم ذلك إنما كان لذكرهم الله تعالى واستحضارهم مقام الهيبة والإجلال.
قال الزمخشري : إن قلت : أي فرق بين عطف الإناث على الذكور ، وعطف الزوجين على الزوجين.
ابن عرفة : أراد أي فرق بين كل صنف من هذه المزدوجات من إناث وذكور على مجموع الصنف الآخر ، وبين عطف إناث كل صنف على ذكوره.
فأجاب : بأن عطف الإناث على الذكور عطف ذوات ، وعطف المجموع على المجموع عطف صفات ، قال : معناه أن الجامعين لهذه الصفات لهم مغفرة.
ورده ابن عرفة بقوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) [سورة التوبة : ٦٠] ، فليس المراد أن لا يأخذها إلا من اجتمعت فيه هذه الأوصاف ، بل كل نوع من هذه المذكورات له فيها حظ.
وكذلك قال مالك : فيمن أوصى بثلث ماله للعلماء والفقراء والمجاهدين والصلحاء ، فإنه لا يقصر على من جمع هذه الأوصاف ، بل للعالم منه حظه ، وإن كان غنيا غير مجاهد ، وكذلك الفقير وإن لم يكن عالما ولا مجاهدا.
قيل لابن عرفة : لما رتب عليه الأجر الأخص ، وهو العظيم وجب قصره على الأخص ، وهو من جمع الأوصاف كلها ، قال : بل هو فضل الله واسع.
قال ابن عرفة : وكان بعضهم يقول (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [سورة التغابن : ١٢] ، ولم يقل : وكانت من القانتات فأدخلها في وصف الذكور وهم أشرف من الإناث ، وهنا لم يكتف بقوله : إن المسلمين والمؤمنين والقانتين عن ذكر المسلمات والمؤمنات والقانتات ، مع أن الجمع يتناولهن على جهة التغليب.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في جامعه حديث رقم : ٨٩٨