قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ).
المراد به نفي التحريم فقط ، وقوله تعالى : (وَاتَّقِينَ اللهَ).
والتقوى فيكون عطف تأسيس لا تأكيد ، وقدم الآباء لأن حرمتهن أكد من حرمة الأبناء ، وحرمة الأبناء أكد من حرمة الأخوة ، بدليل أن آدم عليهالسلام كان يزوج الأخ لأخته ، والتي تزايدت قبله أو بعده من بطن آخر ، ولم ينقل أن ابن تزوج أمه قط ، فهو تدلي.
هكذا كان ابن عبد السّلام يقرره ، لأنه لا يلزم من نفي الحرج عليهن في دخول من تحريمه عليهن أشد نفيه في دخوله من تحريمه أخف.
وأورد الفخر سؤالا ، قال : خوطب أولا الرجال بقوله تعالى : (فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [سورة الأحزاب : ٥٣] ، ثم نفى الجناح عن النساء في دخول محارمهن عليهن ، فهلا نفى الجناح عن الرجال ، فيقال : لا جناح على آبائهن ولا أبنائهن في الدخول إليهن.
وأجاب ابن عرفة : عنه بأنه اعتبر أولا حال الفاعل ، وهنا حال المنفعل ؛ لأن المنفعل قسمان : منه موصوف بالشدة ، ومنه موصوف باللين ، ونسوة النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم من القسم الأول ، بحيث لا يتجاسر أحد محلهن إلا بإذن ، فكان الدخول عليهن من فعلهن إذ لا يتصور إلا بإذنهن ، فالحرج فيه وعدمه مصروف لهن فلذلك نفى عنهن الجناح فيه.
قوله تعالى : (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ).
ابن عرفة : العام في الأشخاص مطلق في الأزمنة والأحوال ، فلذلك قال مالك رحمهالله في العبد : أنه لا يرى نحو سيدته إلا إذا كان وغدا.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ).
قال ابن عرفة : لما تقدم التنبيه على تعظيم أزواجه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، أمر سائر الأمة بتعظيمهم ، حيث نهوا أن يسألوهن إلا من وراء حجاب ، وأن لا ينكحوهن من بعده ، عقبه ببيان تعظيمه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بما هو أقوى من ذلك وأعظم ، وهو صلاة الله عليه وملائكته ، وقرر الفخر وجه المناسبة بغير هذا ، وعلى الصلاة عليه بالوصف الأعم ، وهو النبوة فيستلزم الصلاة عليه من حيث اتصافه بالأخص ، وهو الرسالة من باب أحرى.