ابن عطية : وما ورد عن الخطيب القائل : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ، فقال له النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " بئس خطيب القوم أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله" ، وأجيب بوجوه منها :
قال ابن عرفة : قال المصري على قراءة من قرأ (وَمَلائِكَتَهُ) بالرفع فهو محمول عند البصريين على الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، أي أن الله يصلي وملائكته يصلون ، وليس عطفا على الموضع ، و (يُصَلُّونَ) خبر عنهما لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد ، والصلاة المذكورة بمعنى الاستغفار ، والمحذوفة بمعنى الرحمة.
قال : والصواب عندي أن الصلاة لغة بمعنى واحد ، وهو العطف ثم العطف بالنسبة إلى الله تعالى الرحمة ، وإلى الملائكة الاستغفار ، وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض ، وأما قول الجماعة جمع منعه من جهات :
أحدها : الاقتضاء والاشتراك ، والأصل عدمه.
الثانية : أنا لا نعرف في العربية فعلا واحد يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الإسناد حقيقيا.
الثالث : أن الرحمة فعلها متعد والصلاة فعلها قاصر ، ولا يحسن تفسير القاصر بالمتعدي.
الرابع : أنه قيل : كان صلىاللهعليهوسلم [.....] انعكس المعنى وحق المتداخلين صحة حلول كل منهما محل الآخر.
قلت : ظاهر هذا أن الحذف من الأولى لدلالة الثاني عليه ، وهو مذهب سيبويه ، وأبطله أبو حيان في براءة.
وعادتهم يجيبون : بأن الآية في سياق الثبوت ، وكلام ابن الخطيب في سياق النفي ؛ لأن العصيان أمر سلبي ، وهو عدم امتثال المأمورات ، فيحتمل أن يكون الوعيد إنما هو لمن عصاهما من حيث الاجتماع ، لا من عصى أحدهما فقط ؛ لأن المضمرات على المعروف كل لا كلية بخلاف ما لو قال (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) [سورة نوح : ٢٣].
وانظر قول عبد الوهاب في حد القياس : أنه حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما ، وانتقاد الناس عليه أو يحتمل أن يجاب : بأن الواو للترتيب ، فلذلك قال (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) [سورة نوح : ٢٣].