قال ابن عرفة : وجه مناسبتها لما قبلها أنها نزلت تخويفا لقريش ، لأنهم اتبعوا الشيطان فيما اتبعه فيه آبائهم من الكفر ، وقد هلكوا وعذبوا ، فلم يهددون أن ينزل بهم ما نزل بآبائهم ، كعبدين عصى أحدهما سيده فعذبه ، ثم عصاه الآخر فهو متوقع بعذابه ، وأطلق قول إبليس بفعله المستقبل صدقه وهو قوله (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [سورة ص : ٨٢ ، ٨٣] ، ففيه دليل على أن من يعتقد صدقه من الأولياء إذا أخبر بشيء قبل وقوعه أن يقال فيه : صدق فلان في مقالته.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ).
ابن عرفة : يشار بلفظ القريب للبعيد تعظيما لأمره في قلبه ، إما مدحا أو ذما ، كقوله تعالى : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [سورة يوسف : ٣٢] ، وعكسه أن يشار البعيد للقريب تحقيرا له في بابه ومثل (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [سورة الفرقان : ٤١] ، وكذلك هذا هم تحتقرونه ، واستعمل لفظ ذا في المستقبل ، وهو ظرف لما مضى.
وأجيب : بأنه أمر تقديري أي لو حضروا بين يديك ورأيتهم لرأيت عجبا ؛ لأنه يخلص الفعل للماضي أو يكون المراد من مات منهم.
قال : وعدم إيمانهم بالقرآن إما راجع لعدم التصديق لكونه معجزا ، أو لعدم التصديق لكونه عجزا ، أو لعدم التصديق لما تضمنا من رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فالأول عقلي ، والثاني سمعي نظري.
قوله تعالى : (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ).
القول دليل على أن البعض يطلق على النصف وأكثر منه.
قال : وعادتهم يقولون : عبر عنهم أولا بوصف الكفر (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ) [سورة الأنعام : ٩٣] ، والظلم أعم من الكفر لصدقه عليه ، وعلى ما دونه من الماضي ، قال : وحكمة ذلك أنه أسند لهم المخاصمة والمراجعة وهي مبادئ التعنت والاختلاف ، فلذلك قرنها بمطلق الظلم لا بأخصه ، فإن قلت : لم قال : (الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) [سورة سبأ : ٣١] ، بلفظ المضارع ، ثم عقبه بقوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) [سورة الأعراف : ٧٦] ، بالماضي؟ فالجواب : إما بأن الأول مضارع لتكرره منهم وتجدده المرة بعد المرة ، فلما تكرر منهم المرة بعد المرة حينئذ أجابهم