قرر عليهم عبادة الكفار لهم على جهة الاستهزاء بالكفار ، فأجاب : بأنهم كانوا يعبدون الجن إما لإتباعهم في عبادة الملائكة [٦٢ / ٣٠١] ووسوسة الشيطان ، فكأنهم عبدوا الجن ، وإما لكون الملائكة غير راضين بعبادتهم لهم وقوله (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ).
إشارة إلى الأتباع والمتبوعين ، وهم رؤساؤهم ووسوس لهم الشيطان فاتبعوه وآمنوا به واتبعوهم مقلدون لهم ، فلم يؤمنوا بالجن قبل ذلك رؤسائهم في ذلك.
قوله تعالى : (لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا).
الأقسام أربعة : جلب النفع والضر ودفعهما معا ، وجلب النفع ودفع الضر وعكسه ، والنفي متسلط على الجميع ، وهل المراد بالبعض الثاني حقيقة له ، فكأنه يقول : لا يملك بعضكم لغيره نفعا ، أو المراد به العموم ، أي لا يملك بعضكم لإنسان بالإطلاق ، أي لا يملك لنفسه ولا لغيره ، وهذا أولى لعمومه ، وقدم النفع على الضر لأن جلب النفع مهم ، ودفع الضر أهم ، وعدم الاتصاف بالمهم لا يستلزم عدم القدرة على ما هو أهم منه ، فجاء هذا على الأصل ، لأن الأصل أنه لا يملك ، وعلى تقدير ابن عطية فيقال لهم : يكون معطوفا عليه (بَيِّناتٍ) يدل على أن القرآن لا ينسخ بالنسبة ، لأن النسخ بيان ، والآية دلت على أنها بينة في أنصبتها.
قوله تعالى : (ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ).
ترد عليه القول بالموجب ، وهو أنه كذلك هو في نفس الأمر وهو الذي أراد لكن وجه احتجاجهم بهذا أنه من الدليل السوفسطائي ، وقد ذكر المناطقة أنه لم ترد في القرآن ولا في كلام فصيح ، لكن مرادهم أنه لم يرد من كلام الله تعالى ، وهذا إنما هو حكاية عن هؤلاء ، وتقريره أنهم اعتقدوا أن الخروج عن ملة الآباء قبيح ، لا يحل ولا يجوز ، وهذا النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم قصد صدهم عن ملة آبائهم ، فلذلك كفروا به وابتدءوا هم بهذه المقالة من باب إثارة الغضب كقول القائل :
يا ابن الذي طاعته عصمة |
|
وحبه مفترض واجب |
إن الذي شرفت من أجله |
|
يزعم هذا أنه كاذب |
قوله تعالى : (مُفْتَرىً).
إن قلت : ما فائدته ، فالجواب : بين وجهين :
الأول : الإفك ، قول الباطل عمدا أو سهوا ، والافتراء تعمد الكذب.