الثاني : الإفك ، هو القول الباطل في نفيه ، وإن كان قائله صادقا في مقالته مثل أن يخبرك شخص عن عمرو يقام زيد ، وهو صادق في الإخبار عن عمرو ، ولكن ذلك الكلام في نفيه كذب ، فلما قال : مفترى؟ أفاد أن الكلام في نفيه كذب ، وأن ناقله كذب أيضا على المنقول عنه في حكايته.
قوله تعالى : (لِلْحَقِ).
الزمخشري : لأمان الجر ولام التعريف.
قوله تعالى : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها).
دلت الآية على أنهم في تكذيبهم للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم غير مستندين إلى كتاب منزل ، ولا إلى أخبار رسول ، ولا إلى خبر تواتر ، لأن الذين من قبلهم قد كذبوا ، وإذا كذبوا انقطع التواتر ، لأن شرطه صدق المخبرين ، أما المكذبون فلا.
فإن قلت : إنهم لم يشترطوا في التواتر صدق المخبرين ، بل قالوا : إن خبر الكفار البالغين عدد التواتر يفيد العلم ، فالجواب : إنما ذلك إذا أخبروا عن أمر شاهدوه ، وأما النقل فلا ، لأن الكفار البالغين عدد التواتر نقلوا لهم ذلك عن قوم كذبوا بينهم ، فلا يعتمد على قولهم بوجه لقوله (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
وإنما احتيج إلى ذكر الثلاثة ، لأن الرسول لا يستلزم الكتاب ، إذ قد يكون رسولا بغير كتاب منزل عليه.
فإن قلت : لم وصف الكتب بيدرسونها ، مع أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، فيبقى المفهوم ، فالجواب : أن الكتب ما ينتفع بها إلا بالنظر وبالدرس وإلا فوجودها كالعدم ، فهذه لازمة أو هو مفهوم خرج مخرج الغالب [٦٢ / ٣٠٢] فلا يعتبر.
قوله تعالى : (فَكَذَّبُوا رُسُلِي).
إن قلت : ما أفاد بعد قوله تعالى : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، فالجواب : بوجوه :
الأول : أن هذا مقيد ، والأول مطلق.
الثاني : والمراد بالأول تكذيبهم المعجزات ، وبالثاني تكذيب الرسل.