يردون عليكم بجواب لعدم رضاهم ما أنتم تدعون ، ولا يرد في هذه الآية الإشكال الوارد في قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) [سورة الأنفال : ٢٢] ، لأن تلك استثنى فيها عن التالي ، ومنه جاء الإشكال ، وهنا استثناء نقيض التالي ، لأن السمع في تالي الصغرى منفي وفي مقدم الكبرى مثبت ، ولما اشتملت الآية على دليلين عقلي ونقلي.
قوله تعالى : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ).
وهذا الكلام محمول على المعنى ، لأنك إذا قلت : لا تفعل هذا مثل عمرو ففعله منفي عن مثل عمرو ، فيلزم نفي الإنباء عن مثل الخبير ، وليس لذلك بلى المراد ولا ينبئنا أحد مثل خبير ، وهذا إن أريد به الله تعالى فيتعين أن يكون سالبة ، والسالبة عند المنطقين ما تقتضي وجود الموضوع بوجه ، بخلاف المعدد له والله تعالى لا مثل له ، فلذلك كانت سالبة ، لأن مثله غير موجود.
قوله تعالى : (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ).
مفهوم الحصر من اللقب منتف ، بل هو تنبيه بالأدنى على الأعلى ، لأنه إذا كان الحيوان العاقل الذي به الاستقلال بنفسه إلى الله تعالى ، فأحرى من دونه من الحيوانات والجمادات ، فهو مفهوم موافقة لا مخالفة.
قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ).
أي إن يشاء إذهابكم يذهبكم.
قوله تعالى : [٦٢ / ٣٠٤] (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
فيها سؤالان :
الأول : أنه تقرر أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، فهلا قيل : لا تزر نفس وزر أخرى ، لأن النفس قد تكون وازرة وقد تكون غير وازرة ، فيلزم المفهوم ، وجوابه : أن مفهوم (أُخْرى) لأن النفس الوزارة هي العاصية المتحملة للذنوب ، فإن كانت النفس العاصية لا تحمل وزر غيرها فأحرى الطائعة ، لأن حمل الوزر عقوبة.
الثاني : ما الجمع بينهما وبين حديث : " من سن سنة حسنة [.....] أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم" ، وجوابه : أن الحديث وتلك الآية في صناديد الكفار الذين كفروا وتسببوا في كفر أتباعهم ، لأن فاعل السبب فاعل للمسبب ، وهذه الآية في الأتباع ، ومن اختص بفعله ولم يتسبب في معصية أحد.