وأورد الزمخشري هنا سؤالا هو : ما الفائدة في قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ؟) مع أنه أغنى عنه قوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ) ، وأجاب : بأن معناه ما كان يصح في حكمنا أن ننزل [٦٣ / ٣٠٧] إهلاك قوم حبيب بجند من السماء بناء على ما تقتضيه الحكمة وأوجبته المصلحة ، وهو بناء على مذهبه الفاسد ، وهل هو راجع إلى قاعدة التحسين والتقبيح أو لقاعدة تعليل أفعال الله تعالى؟ وهو الظاهر ؛ لأن الأولى إنما يكون غالبا في الأمور الشرعية ، وهذا أمر فعلي فهم يقولون : إنه يفعل للغرض ، ونحن نقول : يفعل بما يشاء ، ويحكم ما يريد لا لأغراض ؛ لأن ذلك إنما يكون من العاجز ؛ فيفعل الأسباب الموجبة للغرض.
ولم يذكر الطيبي هنا شيئا فيبطل الجواب على مذهبنا ، ويبقى السؤال واردا ، فيجاب عنه بوجهين :
الأول : أن النفي في قوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا) ، دخل على أخص مقيد ، بقوله تعالى : (مِنَ السَّماءِ) ، وهو أعم وفي (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) ، دخل على الأعم فهو أخص.
الثاني : أن الثاني أفاد نفي القابلية ، وهي راجعة إلى الأسباب والأحوال التي اتصف بها غيره.
ابن عطية : ما يحتمل كونها نافية أو موصولة.
فرده أبو حيان : بأنه ليس مذهب البصريين ؛ لأن مذهبهم أن من الزائدة لا تدخل على الموصول ، انتهى ، إنما يتعقبه بمثل هذا على من لم يعرف إلا بمذهب الكوفيين ، وترك مذهب البصريين ، وابن عطية إنما قال : يحتمل كذا أو يحتمل كذا.
وقد قال الفارسي في (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) [سورة النور : ٤٣] : يجوز كون من ومن الأخرى زائدتين ، فتجوز الزيادة في الإيجاب.
وقال ابن جني في (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ) [سورة آل عمران : ٨١] ، على تشديد أن : من زائدة.
وقال ابن مالك في من الداخلة على قبل وبعد : أنها زائدة ؛ لأن كونها لابتداء الغاية على ما ذهب إليه الجمهور يلزم منه دخولها على الزمان ، فتأولوا قوله تعالى : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) [سورة التوبة : ١٠٨] ، أي من تأسيس أول يوم.