قال صاحب البرهان : لما تقدمها (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) ، وهو أمر حسي يقتضي العلو والارتفاع ، قابله بنقيضه حسا ، فقال (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) ، بخلاف قوله تعالى : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) [سورة الأنبياء : ٧٠] ، فإن الكيد أمر معنوي فقابله بالمعنوي.
قوله تعالى : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ).
ابن عرفة : الحاكم إذا حكم بحكم مستدلا له قرينه على أن الحكم مختلف فيه ، ولو كان مجمعا عليه لما احتاج إلى استدلال على صحته.
وقال الفخر في أجزاء المعالم اللدنية : الدليل على أن النبي أفضل من الولي وأشرف ؛ أن النبي كامل مكمل ، والولي كامل فقط ؛ فإن الكامل المكمل أشرف ، الثاني : أنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم قال : " ما طلعت الشمس غير النبيين أفضل من أبي بكر" ، فقوله : " غير النبيين" ، دليل على أن النبي أشرف ، وهذا لم يخالف فيه أحد.
قيل له : لعل بعض الملاحدة أو المبتدعة خالف فيه ، فقال قوله تعالى : (مِنَ الصَّالِحِينَ) ، قد يتوهم منه ذلك ، ولو لا ذلك لما كان لذكره بعد النبوة.
قال : وعادتهم يجيبون عنه : أن النعت تارة يكون مرادا به الثناء ، وهذا يكون فيه الثاني أعلى من الأول ، وتارة يراد به حقيقة ذلك الوصف ، كقوله تعالى : (أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [سورة الأنعام : ١٢٤] ، وكوصفك طعاما طيبا بأنه حسنا ، وتارة تصفه بأنه قبيح ، فهذا لا حقيقة لذلك الوصف ؛ فهو إشارة إلى أنه ممن يستحق أن يوصف بتلك الصفة.
وأجاب بعض الطلبة : بأن ذكر الصالحين تنبيه على إبراهيم لمطلوب ، لقوله (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) ، أو يكون الصلاح مقولا بالتشكيك ؛ وصلاح النبي أعلى من صلاح الولي.
قوله تعالى : (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ).
هي زوجته ، ولوطا هو ابن أخت إبراهيم عليهما الصلاة والسّلام ، وقيل : ابن أخيه.
ابن عرفة : ولا يبعد أن يكون جمع الأمرين ؛ فيكون أخوه من أبيه تزوج أخته من أمه ؛ فتولد له لوطا عليهالسلام.