منذ القدم بين مجيز لذلك ومانع له.
فالذين أجازوه استدلوا بالآيتين التاليتين : قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤] ، وقوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣].
ففي هاتين الآيتين ما يدل على أن معاني القرآن لا يصل إليها إلا أهل الاستنباط والاجتهاد ، بما يملكون من مواهب ؛ كما أن في الآية أمرا بالتدبر والاجتهاد في استنباط معانيه. كما كان اختلاف الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في بعض أقوالهم في تفسير القرآن ، يدل على أنهم فسروه باجتهادهم القائم على معرفتهم الخاصة ، إذ لو لا ذلك لا تفقت أقوالهم.
كما كان أيضا دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم لابن عباس رضي الله عنهما : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (١) دليل على جواز الاجتهاد في فهم القرآن.
أما الذين منعوا التفسير بالرأي فلهم أدلتهم التي اعتمدوا عليها وهي : ـ قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] فهذه الآية في رأيهم جعلت تفسير القرآن وبيانه للنبي رضي الله عنه وحده دون غيره.
وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ٣٣] ، فحرم الله على عباده القول على الله بدون علم ، والتفسير بالرأي ـ عند المانعين ـ قول على الله بدون علم.
وما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» (٢).
وأضف إلى ذلك إلى امتناع بعض السلف عن القول في القرآن برأيهم ، فالمانعون يرون أن التفسير بالرأي قول على الله بغير علم ، فلا يجوز لأحد الإقدام عليه ؛ لأنه محرم بهذا المفهوم.
والنتيجة تتمثل في رد المجيزين على المانعين بما يأتي : ـ هناك خلاف بين العلماء في المقدار الذي فسره الرسول صلىاللهعليهوسلم في القرآن ، فمنهم من يرى أنه عليه الصلاة والسّلام فسر
__________________
(١) رواه البخاري (١ / ٦٦ ، رقم : ١٤٣) عن ابن عباس دون قوله :((وعلمه التأويل)) ، ورواه بهذه الزيادة : أحمد (١ / ٣٣٥ ، رقم : ٣١٠٢) ، وابن حبان (١٥ / ٥٣١ ، رقم : ٧٠٥٥) ، والحاكم في المستدرك (٣ / ٦١٥ ، رقم : ٦٢٨٠) وصححه.
(٢) رواه الترمذي (٥ / ١٩٩ ، رقم : ٢٩٥١) ، ورواه أيضا : النسائي في السنن الكبرى (٥ / ٣١ ، رقم : ٨٠٨٥).