القرآن كله ، ومنهم من يرى أنه صلىاللهعليهوسلم فسر القليل ؛ والأصوب أنه فسر ما أشكل على الصحابة واختلفوا فيه وسألوه عنه ، فلم يكن قليلا ، ولم يستوعب القرآن كله. فما لم يفسره صلىاللهعليهوسلم هو الذي فيه مجال لأهل الفقه والعلم والاستنباط والنظر ، استنادا إلى قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤].
إن الاجتهاد في التفسير ليس قولا على الله بغير علم ، وإنما استعمال للعقل الذي أنعم الله به على الإنسان مع شروط يجب توافرها فيمن يقوم بهذا الاجتهاد.
إن المجتهد مأجور ، إن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر. فالاجتهاد البعيد عن الهوى والضلالة والجهالة أمر غير مذموم.
وقد ورد عن أبي بكر رضي الله عنه حين سئل عن الكلالة فقال : «أقول فيها برأي ؛ فإن كان صوابا فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان» ، ثم فسر معنى الكلالة.
أما امتناع أبي بكر وغيره من الصحابة والتابعين عن تفسير القرآن برأيهم فيحمل على الورع والاحتياط وخشية الوقوع في الزلل.
قراءات القرآن (١) :
ومما لا بدّ لنا من معرفته ونحن نقدم لهذا الكتاب القيم أن نتعرض لتعريف القراءات لأن الزجاج يورد القراءة ويوجهها ، فأقول :
القراءا ت جمع قراءة ، والقراءة في اللغة تعني الجمع ، فقراءة الشيء جمعه وضمّه ، ومعنى قرأت القرآن لفظت به مجموعا ، وسمّي القرآن ، لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض.
أما القراءة في الاصطلاح فقد ذكر علماء القراءات عدة تعريفات لها ، نكتفي بتعريفين منها :
١ ـ علم يبحث فيه عن صور نظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلافات المتواترة حتى يصان كلام الله عن تطرّق التحريف والتغيير نحوه.
٢ ـ اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرها.
ولعلماء القراءات مصطلحات في هذا الشأن لا بدّ من توضيحها ، كالقراءة والرواية والطريق.
فالقراءة : للإمام كقراءة نافع وابن كثير وعاصم.
والرواية : للذي يأخذ عن الإمام كرواية ورش عن نافع ، ورواية قنبل عن ابن كثير ،
__________________
(١) انظر في هذا الموضوع بإسهاب : مناهل العرفان (١ / ٢٨٤).