وأحكموا وثاقهم ـ وهو ما يوثق به أي ما يربط ـ أو رباطهم أي شدهم بالحبال أو القيود لئلا يهربوا. وقوله «شدوا الوثاق» هو كناية عن الأسر.
** (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) : أي فإذا انتهى القتال فإما تمنون عليهم منا باطلاقهم بغير مقابل أو تفادوهم فداء بمبادلة الأسرى بالنفس أو المال أو منوا عليهم منا بالطلاق أو خذوا منهم الفدية أي تفدونهم فداء حتى تضع الحرب أوزارها. وهذا القول الكريم كناية عن انتهاء الحرب أي حتى تضع الحرب أثقالها .. أي كناية عن انقضاء الحرب. والتقدير : حتى يضع أهل الحرب أثقالهم. وأوزار : جمع «وزر» أي «ثقل» وفي القول الكريم حذف المضاف «أهل» فأسند الفعل إلى الحرب مجازا .. وسميت الأوزار : أثقالا لأن السلاح يسمى وزرا لثقله على لابسه .. وقال الفيومي : واشتقاق «الوزير» من ذلك لأنه يحمل عن الملك ثقل التدبير يقال وزر للسلطان ـ يزر ـ وزرا ـ من باب «وعد» فهو وزير وعلى ذكر «الحرب» ثمة خطأ شائع هو قولهم : إن الدولة تحارب أو تكافح ضد الجهل والفقر والمرض .. والصواب أن يقال : تحارب الجهل والفقر والمرض. لأن الذي يحارب ضد الشيء يكون مؤيدا ومحاربا في جبهته.
** (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. المعنى : ويدخلهم إلى الجنة التي عرفها لهم فحذفت الصفة «التي» وبقي الموصوف «الجنة» ولما حذف حرف الجر «إلى» انتصب المجرور «الجنة» انتصاب المفعول به أي عدي الفعل «يدخل» إليه مباشرة فصار مفعولا به ثانيا وعرفها : بمعنى : أعلمها لهم وبينها أو طيبها لهم .. من العرف وهو طيب الرائحة. بفتح العين ـ و «العرف» هو الرائحة مطلقا وأكثر استعماله في الطيبة .. يقال : ما أطيب عرفه : أي رائحته .. ويقال هذه أرض معروفة : أي طيبة العرف.
** (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة .. وتعسا : معناها : هلاكا .. أي فعثارا لهم وسقوطا .. ونقيضها : لعا وهو دعاء بعدم العثار وعدم السقوط قال الفيومي : فعله من بابي «تعب» و «نفع» يقال : تعس ـ يتعس ـ تعسا ـ من باب «نفع» بمعنى أكب على وجهه فهو تاعس ـ اسم فاعل ـ وتعس ـ يتعس ـ تعسا ـ من باب «تعب» لغة فهو تعس مثل تعب ـ فعل بمعنى فاعل ـ ويتعدى هذا الفعل بالحركة وبالهمزة فيقال : تعسه الله وأتعسه .. وفي الدعاء : تعسا له. وفلان تعس ونكس. فالتعس : أن يخر لوجهه والنكس ـ بضم النون ـ أن لا يستقل بعد سقطته حتى يسقط ثانية وهي أشد من الأولى. والتعس ـ بفتح التاء وسكون العين ـ هو الهلاك وأصله : الكب وهو ضد الانتعاش ويقال : تعسا لفلان : أي ألزمه الله هلاكا وعكسه القول : لعا لك. وهو دعاء يقال للعاثر : أي دعاء له بمعنى : أنعشك الله وأقامك من عثرتك .. وتلفظ بتخفيف عين «لعا» أي من دون تشديد العين .. ويقال : لا لعا لك .. وهو أيضا دعاء عليه بمعنى : لا أنعشك الله : أي لا رفعك وأقامك من عثرتك .. وتعسا له وبعدا له .. ونحوهما : منصوبان أبدا والمعنى مثل معنى «ويلك» أي ألزمه الله هلاكا وفي الآية الكريمة المذكورة آنفا يكون المعنى : فعثارا لهم وسقوطا وقوله : لعا لك : دعاء بأن ينتعش أي ينتهض من سقطته وينشط رافعا رأسه. ومثل هذه اللفظة : ويك .. ويب .. ويح .. ويلا. وقيل عن «الويل» وهو الهلاك : إنه اسم واد في جهنم لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره. ولفظة «ويب» مثل «ويل» وزنا ومعنى وكذلك لفظة «ويح» وإن كان من معانيها أيضا : كلمة رحمة وويل كلمة عذاب.