** (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية عشرة وفيه شبه سبحانه وتعالى الكافرين بأنهم يأكلون غافلين غير مفكرين في العاقبة كما تأكل البهائم في معالفها غافلة عما ينتظرها والنار محل إقامة لهم .. فالمؤمن يقل حرصه وشرهه على الطعام ويبارك الله له فيشبع بالقليل .. ووردت في حديث لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لفظة «معى» مذكرة .. والحديث هو «المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء» المعنى : لأن المؤمن لا يأكل إلا من الحلال ويتوقى الحرام والشبهة والكافر لا يبالي ما أكل ومن أين أكل وكيف أكل ـ ويؤكد هذا الحديث الشريف قوله تعالى في الآية المذكورة آنفا .. وجاءت لفظة «معى» وجمعها : أمعاء .. مذكرة لأن من معانيها المصير وجمعه مصران فالتقدير في مصير واحد وسبعة مصران ومن هذا المعنى من الصواب أن نقول أجريت لفلان عملية استئصال المصير الأعور ـ أي الزائدة الدودية ـ ولا نقول : المصران الأعور .. كما هو شائع لأن لفظة «مصران» جمع «مصير» وجمع الجمع : مصارين. وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : ما عاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ طعاما قط. أي لا يقول : مالح .. غير ناضج .. إلخ إن اشتهاه أكله. وإن كرهه تركه كان قدم له ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ضب فرفع يده عنه وقال : لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. أي أجد نفسي تكرهه. وهذا من حسن الأدب كما قال ابن بطال. لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره وكل مأذون فيه من جهة الشرع لا عيب فيه وكذلك أكل من معه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من هذا الضب. يروى أن أول من فطر الناس من جيرانه في شهر رمضان المبارك هو عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وهو أول من حمل الطعام على رءوس الناس لكثرته. وقيل : لم يغص أحد في اللبن قط. قال الشاعر :
وساغ لي الشراب وكنت قبلا |
|
أكاد أغص بالماء الفرات |
** سبب نزول الآية : قال قتادة : نزلت الآية الكريمة الحادية عشرة يوم أحد والنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في الشعب إذ صاح المشركون : يوم بيوم .. لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم.
(ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) (٣)
(ذلِكَ بِأَنَ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. الباء حرف جر و «أن» حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «أن» مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بخبر «ذلك» التقدير : ذلك الأمر وهو إضلال أعمال أحد الفريقين وتكفير سيئات الثاني كائن أو مستحق بسبب اتباع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق. أو يكون «ذلك» في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر ذلك بهذا السبب فيكون محل الجار والمجرور المؤول في محل نصب مفعولا لأجله.