(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) أي كورق الشجر المأكول .. والمأكول : اسم مفعول يقابله : المشروب. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة» أي طعام الاثنين المشبع لهما كافي الثلاثة في القوت .. وطعام الثلاثة كافي الأربعة لشبعهم لما ينشأ عن بركة الاجتماع فكلما كثر الجمع ازدادت البركة. وعن نافع ـ مولى ابن عمر ـ قال : كان ابن عمر لا يأكل إلا ومعه مسكين يؤتى به ليأكل معه. فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا. فقال : يا نافع لا تدخل هذا علي .. سمعت النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء» قال الصحاح : لأن المؤمن لا يأكل إلا الحلال ويتوقى الحرام والشبهة والكافر لا يبالي ما أكل ومن أين أكل وكيف أكل. ويؤكد هذا قوله تعالى في سورة «محمد» : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) صدق الله العظيم.
** (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة عشرة .. والخطاب موجه للثقلين ـ الإنس والجن ـ بدلالة «الأنام» عليهما وقوله (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) بمعنى : سنتجرد لحسابكما ومجازاتكما أيها الإنس والجن .. سميا «الثقلان» لأنهما مثقلان بالتكاليف أو لأنهما ثقيلان على الأرض .. وتكرر قوله تعالى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) في هذه السورة الشريفة في هذه الآية وفي الآيات التاليات .. وفائدة هذا التكرير لأن كل نعمة عدها سبحانه لتكون تلك النعم حاضرة للقلوب مصورة للأذهان مذكورة غير منسية في كل أوان. وفي قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) استعارة فيه معنى التهديد. ومعنى الآية : فبأي نعمة من نعم ربكما معشر الجن والإنس تكذبان بمعنى : لا يمكنكما التكذيب. وقيل : السنة تقتضي القول بعده : لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد.
** (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية والعشرين المعنى : يخرج من أحد البحرين ـ البحر الملح ـ كبار الدر وصغاره أي الخرز الأحمر .. وقال الجوهري : المرجان صغار اللؤلؤ وقد فسره الواحدي : بعظام اللؤلؤ وأبو الهيثم : بصغار اللؤلؤ وقال آخرون ومنهم ابن مسعود : هو خرز أحمر .. وهذا المعنى هو المشهور في عرف الناس .. وقال الطرطوشي في «تاج العروس» هو عروق حمر تطلع في البحر كأصابع الكف .. أما «اللؤلؤ» فهو جمع «لؤلؤة» وهي الدرة وتجمع أيضا على «لآلئ» وأما قوله تعالى في آية كريمة سابقة «مرج البحرين» فمعناه : خلاهما لا يلتبس أحدهما بالآخر .. يقال : مرج الأمر والدين ـ يمرج ـ مرجا .. من باب «طرب» بمعنى اختلط ومنه الهرج والمرج .. وتسكين «المرج» للازدواج. وأمر مريج ـ فعيل بمعنى : فاعل ـ بمعنى مختلط.
** (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة والعشرين .. و «ها» يعود على الأرض وإن لم يجر لها ذكر لأنه عند الفناء ليس هناك حال القرار والتمكن .. و «فان» اسم فاعل للفعل «فني» الرجل أو الشيء أو المال ـ يفنى ـ فناء .. من باب «تعب» بمعنى : هرم .. عدم. وأفناه بمعنى : أهلكه .. وكل مخلوق صائر إلى الفناء ـ بفتح الفاء ـ أما «الفناء» بكسر الفاء : فهو ما امتد من جوانب الدار وجمعه : أفنية .. ويقال : تفانوا .. بمعنى : أفنى بعضهم بعضا في الحرب. وقيل للشيخ الهرم : فان .. لقربه ودنوه من الفناء. فالبقاء لله سبحانه وكل شيء أو مخلوق صائر إلى الفناء أي إلى الهلاك .. وقيل عن «ها» في «عليها» عائد على الأرض التي جرى ذكرها في الآية الكريمة العاشرة.