سورة «العلق» وذلك تفخيما لخلق الإنسان ودلالة على عجيب فطرته ـ خلقه ـ وعلى ذكر سورة «العلق» فقد قال سبحانه في السورة المذكورة : (مِنْ عَلَقٍ) وهي جمع «علقة» وإنما خلق الإنسان من علقة كما قال في سورتي «الحج» و «غافر» : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) والسبب هو أن الإنسان في معنى «الجمع» أو يراد به جنس الإنسان وكما حذف المفعول الأول في الآية الكريمة الثانية من سورة «الرحمن» : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) أي علم الرسول أو الإنسان القرآن فقد حذف المفعول في سورة «العلق» في قوله : (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي علم الإنسان الكتابة بالقلم فحذف المفعولان .. وفي هذا القول دل سبحانه على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ولو لا الكتابة لما استقامت أمور الدين والدنيا .. ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به.
** (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. المعنى : ونوعا النباتات الصغيرة والنباتات الكبيرة ينقادان لله تعالى فيما خلقه. وقيل : النجم أيضا : نجوم السماء ولأن النجم أيضا من معانيه : ما طال من النبات وهو ما لا ساق له .. أما الشجر : فهو ما له ساق يعظم ويقوم به .. والنجم : هو الكوكب وجمعه : أنجم ونجوم. قال الفيومي : كانت العرب تؤقت بطلوع النجوم لأنهم ما كانوا يعرفون الحساب وإنما يحفظون أوقات السنة بالأنواء وكانوا يسمون الوقت الذي يحل فيه الأداء نجما تجوزا لأن الأداء لا يعرف إلا بالنجم ثم توسعوا حتى سموا الوظيفة نجما لوقوعها في الأصل في الوقت الذي يطلع فيه النجم .. واشتقوا منه فقالوا : نجمت الدين : إذا جعلته نجوما. قال ابن فارس : النجم : وظيفة كل شيء وكل وظيفة نجم وإذا أطلقت العرب النجم أرادوا : الثريا وهو علم عليها يقال : نجم النبات وغيره ـ ينجم ـ نجوما .. من باب «دخل» دخولا بمعنى : طلع ونجم الشيء أيضا بمعنى : طلع وظهر وفي الآية الكريمة المذكورة معناه : النبات لأن «النجم» من النبات .. ومن معاني «الكوكب» : النجم وما طال من النبات .. وكوكب الروضة : هو نورها. والكوكبة : هي الجماعة ومن أمثال العرب قولهم : طمس الله كوكبه .. يضرب لمن ذهب رونق أمره وانهد ركنه. ولما كانت «الكوكبة» بمعنى : الجماعة فمثلها أيضا : الفئة : وهي الجماعة ولا واحد لها من لفظها ومثلها كذلك : العصبة : وهي الجماعة من الناس وعددها من العشرة إلى الأربعين .. والملأ وهم جماعة رجال ونساء .. أما «الشرذمة» بكسر الشين والذال .. فهي القليل من الناس يقابلها في القلة : النفر والنفير : وهم ما دون العشرة من الرجال .. و «الرهط» هو ما دون العشرة أيضا وما فيهم امرأة .. وقيل : هم من ثلاثة إلى سبعة أو من سبعة إلى عشرة والقوم : هم الجماعة من الثلاثة فصاعدا.
** (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية عشرة .. الحب : هو الذي يتغذى ـ يقتات ـ به من ثمر النخل أو القمح ـ الحنطة ـ والشعير وكل ما يقتات به والعصف : هو الورق اليابس وهو علف الأنعام ـ أي كالتبن ـ وقيل : هو ساق الزرع والريحان : ورقه المعنى : وفيها : الريحان الذي يشم وهو مطعم الناس أو الرزق لأنه يقال : خرجت أطلب ريحان الله .. وقد وردت لفظة «العصف» في قوله تعالى في سورة «الفيل» :