ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا نزل عليه الوحي يسمع عنده دوي كدوي النحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يده وقال : اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وأرضنا.
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشق عليهم ذلك وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : الله الواحد الصمد : ثلث القرآن باعتبار معانيه لأنه أحكام وأخبار وتوحيد وقد اشتملت هي على الثلث.
ويقال : الله واحد : وهو وصف الباري تعالى. فيقال : هو الواحد وهو الأحد لاختصاصه بالأحدية فلا يشركه فيها غيره .. ولهذا لا ينعت به غير الله تعالى. وقول المؤذن : الله أكبر الله أكبر في دعوته الناس للصلاة .. تكون الجملة الاسمية الثانية لا نشاء تكبير ثان وليست تأكيدا للجملة الأولى بخلاف قوله : «قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة» والقول الثاني «الله أكبر» في محل رفع خبر ثان للمبتدإ «لفظ الجلالة جيء به لتأكيد الخبر الأول. قال الشاعر :
فلست أبالي حين أقتل مسلما |
|
على أي جنب كان لله مصرعي |
وذلك في ذات الإله وإن يشأ |
|
يبارك على أوصال شلو ممزع |
«الشلو» وجمعه : أشلاء : بمعنى : أعضاء اللحم ومن الإنسان : أعضاء جسمه بعد التفرق. وممزع : بمعنى مقطع.
** (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة وفيه حذف الموصوف «الأعمال» وحلت الصفة «الصالحات» محله وقيل : إن الصالحات من الصفات التي تجري مجرى الأسماء .. و «ممنون» بمعنى : أجر غير ممتن به عليهم .. وبمعنى : مقطوع .. مأخوذ من «من الحبل ـ يمنه منا ـ من باب «قتل» بمعنى : قطعه. ومثله : من عليه بالشيء وامتن عليه به أيضا بمعنى : أنعم عليه به والاسم منه «المنة» بكسر الميم. ومننت عليه منا : بمعنى عددت له ما فعلت له من الصنائع مثل أن تقول له : أعطيتك وفعلت لك وهو تعيير وتكدير تنكسر منه القلوب فلهذا نهى الشارع عنه بقول تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) صدق الله العظيم. و «المن» هو القطع ومن هنا يقال : المن أخو المن أي الامتنان بتعديد الصنائع أخو القطع والهدم .. فإنه يقال : مننت الشيء منا أيضا : إذا قطعته فهو ممنون والمنون ـ بفتح الميم ـ هو المنية اسم مؤنث وكأنها اسم فاعل من «المن» وهو القطع لأنها تقطع الأعمار والمدد وتنقص العدد وتأتي لفظة «المنية» مفردة وجمعا وفي قوله تعالى «أجر غير ممنون» بمعنى غير مقطوع أو غير منقوص. ولهذا اعتبر من الأخطاء الشائعة قول بعضهم لصاحبه : أنا ممنون أو ممتن لك .. لأن هاتين اللفظتين تعبير عامي بالنسبة للمراد أي لا يصح القول بهما في مجال الشكر لأن معناهما شرح آنفا والصحيح أن يقال أنا شاكر لك بمعنى : مديون لك أو لمعروفك وإحسانك إلي.
** (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة .. المعنى قل يا محمد للمشركين من قومك معنفا وموبخا أتكفرون بالله الذي خلق الأرض قائمة في مدة يومين أو في مقدار يومين .. ولم يذكر الموصوف لفظ الجلالة لأنه معلوم بل ذكرت الصفة الاسم الموصول .. كما حذف المضاف «مدة .. أو مقدار» وأقيم المضاف إليه «يومين» مقامه.