إلا أنه وردت أحاديث صحيحة أخرى صريحة في ترتيب الآيات ، فإنّها تنصّ على ترتيب الآيات بالنسبة لبعضها وترتيب الآيات في سورها [ضعوا هذه الآيات في سورة كذا بعد آية كذا] [وضعوا هؤلاء الآيات في السّور الّتي ذكر فيها كذا]. وكانت السورة تختم ويبدأ بسورة غيرها بتوقيف من الله بواسطة جبريل. عن ابن عبّاس قال : [كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لا يعلم ختم السّورة حتّى ينزل بسم الله الرّحمن الرّحيم] وفي رواية [فإذا أنزلت بسم الله الرّحمن الرّحيم علموا أنّ السّورة قد انقضت].
فهذا كله يدلّ قطعا على أنّ ترتيب الآيات في سورها وشكل السّور بعدد آياتها ووضعها ، كل ذلك توقيفي من الله تعالى. وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيّها صلىاللهعليهوسلم وثبت ذلك تواترا.
أما ترتيب السّور بالنسبة لبعضها فإنه وإن كان يمكن أن يفهم من أحاديث عرض القرآن ، ولكن يمكن أن يفهم غيره من حديث آخر. عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها إذ جاءها عراقيّ فقال : أيّ الكفن خير؟ قالت : ويحك وما يضرّك؟ قال : يا أمّ المؤمنين أريني مصحفك. قالت : لم؟ قال : لعلّي أؤلّف القرآن عليه ، فإنّه يقرأ غير مؤلّف.
قالت : وما يضرّك أيّه قرأت قبل ، إنّما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصّل فيها ذكر الجنّة والنّار حتى إذا أثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزّنا أبدا ، لقد نزل بمكّة على محمّد صلىاللهعليهوسلم وإنّي لجارية العب (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ)(١). وما نزلت سورة البقرة والنّساء إلّا وأنا عنده. قال فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السّور](٢).
__________________
(١) القمر / ٤٦.
(٢) رواه البخاري في الصحيح : كتاب فضائل القرآن : باب تأليف القرآن : الحديث (٤٩٩٣).