على عثمان في المدينة وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينيّة وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في قراءة القرآن.
فإنه رأى أهل الشام يقرأون بقراءة أبيّ بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق ، ورأى أهل العراق يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام ، فيكفّر بعضهم بعضا. وأن اثنين اختلفا في آية من سورة البقرة ، قرأ هذا : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ،) وقرأ هذا : وأتمّوا الحجّ والعمرة للبيت فغضب حذيفة واحمرّت عيناه ، وروي عن حذيفة قال : يقول أهل الكوفة قراءة ابن مسعود ويقول أهل البصرة قراءة أبي موسى ، والله لئن قدمت على أمير المؤمنين لآمرنّه أن يجعلها قراءة واحدة ، فركب إلى عثمان (١).
وقد حدّث ابن شهاب أن أنس بن مالك حدّثه [أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشّام في فتح ارمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنّصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصّحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزّبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرّهط القرشيّين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء ما من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق](٢) وقد كان عدد النّسخ التي نسخت سبع نسخ ، فقد
__________________
(١) أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف : اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف : ص ١٨ ونقله ابن حجر العسقلاني في الفتح عن ابن أبي داود من كتاب (المصاحف). ينظر : فتح الباري : ج ٩ ص ٢١ ـ ٢٢ / الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب فضائل القرآن : باب جمع القرآن : الحديث (٤٩٨٧) والسنن الكبرى للنسائي : كتاب فضائل القرآن : الحديث (٧٩٨٨).