٢. أما حديث معاوية ، أنه كان يكتب بين يدي النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له : [يا معاوية ألق الدّواة وحرّف القلم وانصب الباء وفرّق السّين ولا تغوّر الميم وحسّن الله ومدّ الرّحمن وجوّد الرّحيم ، وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنّه أذكر لك](١).
٣. لعل توجيه القاضي عياض لهذه الأحاديث ، حين يغضّ النظر عن سندها ، هو الأصحّ في المسألة ، بقوله : (وهذا وإن لم تصحّ الرواية أنه صلىاللهعليهوسلم كتب ، فلا يبعد أن يرزق علم هذا ، ويمنع القراءة والكتابة) (٢).
بمعنى أن وصف الرسول سيدنا محمّد صلىاللهعليهوسلم بجري القلم على يد الكاتب في رسم الحروف ، وخطّ شكلها ، مأمور به من الله ، فيأتي به الوحي ليعلّم الكاتب رسم الحرف وخط شكله ، وهذا يتفق وأن رسم حرف القرآن توقيف من الله ، وتفسير لسبب تغاير خطّ القرآن عن خط رسائل المصطفى عليه الصّلاة والسّلام للملوك والرؤساء ، مع أن الكتّاب أنفسهم من كتبة الوحي بين يديه صلىاللهعليهوسلم ستة وعشرون كاتبا أو أكثر.
تمسّك الفقيه الأندلسي أبو الوليد الباجي ، بظاهر حديث مسلم في صلح الحديبية ، فادعى أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن الكتابة. فشنّع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة ، وأن الذي قاله يخالف القرآن. فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير : هذا لا ينافي القرآن ، بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيّد النفي قبل ورود القرآن فقال : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ)(٣). وبعد أن تحقّقت أمّيته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى.
__________________
(١) أخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب : الرقم (٨٥٣٣). قال في الفتح : وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث.
(٢) حكاه القرطبي في الجامع : ج ٣ ص ٣٥٣.
(٣) العنكبوت / ٤٨.