صلىاللهعليهوسلم حيث يراود عمّه أبا طالب على الإسلام ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعمّه عند الموت : [قل لا إله إلّا الله ، أشهد لك بها يوم القيامة؟] فأبى فأنزل الله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) القصص : ٥٦ (١).
ثم جاء بعد الصحابة التابعون فرووا كلّ ما ذكره الصحابة من هذا القبيل ، وكان من التابعين أنفسهم من فسّر بعض آيات القرآن الكريم أو ذكر سببا لنزولها ، إما اجتهادا منهم في التفسير أو سماعا. ثم جاء من بعد التابعين العلماء فتوسّعوا في التفسير ونقلوا أخبار اليهود والنصارى ، ثم تتابع المفسّرون في كلّ عصر وجيل يفسرون القرآن ويتوسّعون في كلّ عصر عما قبله. وأخذ المفسّرون يتعرضون للآيات ليستنبطوا منها الأحكام ويتعرضون للآيات يفسّرون بها مذهبهم من الجبر والاختيار ، ويفسّرون الآيات يثبتون بها آراءهم حسب ما يميلون إليه ، من تشريع أو علم كلام أو بلاغة أو صرف ونحو أو ما شاكل ذلك.
والذي يبدو من تتبّع التفاسير في مختلف العصور منذ عصر الصحابة حتى عصرنا هذا ، أن تفسير القرآن كان في كلّ عصر من العصور متأثّرا بالحركة العلمية فيه ، وصورة منعكسة لما في العصر من آراء ونظريّات ومذاهب ، وقلّما يخلوا تفسير من التأثّر بما كان يسود عصره من آراء وأفكار وأحكام.
إلا أن هذه التفاسير كلها لم تؤلّف في كتب من أوّل يوم صار فيه مفسّرون ، أي من عصر الصحابة ، بل انتقلت من حال إلى حال في مختلف العصور. فقد كان التفسير في أوّل أمره جزءا من الحديث وبابا من أبوابه ، وكان الحديث هو المادة الواسعة التي تشمل جميع المعارف الإسلامية ، فراوي الحديث كما يروي حديثا فيه حكم فقهي ، يروي حديثا فيه تفسير لآية من القرآن.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح : كتاب الإيمان : باب على صحة إسلام من حضره الموت : الحديث (٤٢ / ٢٥). والترمذي في الجامع : كتاب التفسير : (٣١٨٨). والإمام أحمد في المسند : ج ٢ ص ٤٣٤ و ٤٤١.