وإذن فالمراد من التفسير بالرأي هو فهم الجمل بواسطة فهم مدلولاتها التي تدلّ عليها المعلومات الموجودة عند المفسّر من لغة وحادثة. وأما ما اشتهر على الألسنة عن سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه من قوله : [القرآن حمّال أوجه](١) فليس المراد منه أن القرآن يحمل أيّ وجه تريد تفسيره منه ، بل المراد أنّ اللفظة الواحدة أو الجملة الواحدة تحتمل عدّة أوجه من التفسير ، ولكن الأوجه محصورة بالمعاني التي تحتملها اللفظة أو الجملة فقط ولا يخرج عن ذلك. ومن هنا كان التفسير بالرأي عبارة عن فهم للجملة في حدود ما تحتمله ألفاظها من معاني. ولذلك أطلقوا عليه أنه تفسير بالاجتهاد.
وقد كان جمهرة المفسّرين من الصحابة يفسرون بالرّأي ويعتمدون بالدرجة الأولى عليه في التفسير ، وكانوا يختلفون في التفسير حتى في تفسير الكلمة الواحدة ، مما يدلّ على اعتمادهم على فهمهم الخاصّ مثل كثير مما ورد عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وغيرهم.
فمثلا يفسّر المفسرون الطّور في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) بتفسيرات مختلفة. فمجاهد يفسّر الطّور بالجبل ، وابن عباس يفسر الطور بجبل بعينه ، وآخر يقول إن الطور ما انبثّ من الجبال. فأما ما لم ينبث فليس بطور. فهذا الاختلاف في التفسير نتيجة للاختلاف في الرأي ، لا نتيجة للاختلاف في المنقول ، مع أن اللفظة لغوية ، فما بالك حين يكون الرأي لمدلول الجملة لا لمعنى لفظة ، ولذلك اختلفوا أيضا في معاني الآيات خلافهم في معاني الألفاظ.
والظاهر من تتبّع تفسير الصحابة لا سيما المفسّرين المشهورين ، أنّهم في جملتهم يعتمدون على الرأي في التفسير. وأما ما نقل عن بعضهم من التحرّج عن التفسير بالرأي والاقتصار على التفسير بالمنقول ، فإنه يحمل على رأي من لم يستكمل أدوات التفسير وهي العلم باللفظة العربية المراد تفسيرها ، وبالحوادث
__________________
(١) عن ابن عبّاس : (القرآن ذو وجوه ، فاحملوه على أحسن وجوهه). الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي : الرقم (٤٦٧٢).