التي نزلت في شأنها الآيات. ولا يحمل على التحرّج من فهم القرآن لأنه أنزل ليفهمه الناس لا ليقتصروا على حدّ ما نقل من تفسير.
وبالرجوع إلى النصوص التي وردت في ذلك يتبيّن منها سبب هذا التحرج. فقد روي عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن شيء من القرآن يقول : أنا لا أقول في القرآن شيئا. فهو ينفي عن نفسه القول بالقرآن ، ولا ينفي القول بالقرآن بالرأي. وقال ابن سيرين : سألت أبا عبيدة عن شيء من القرآن فقال : (اتّق الله وعليك بالسّداد ، فقد ذهب الّذين يعلمون فيم أنزل القرآن) (١).
ومعلوم أن أبا عبيدة من كبار الصحابة وهو يطلب لزوم السداد ومعرفة فيم أنزل القرآن. فهذا التورّع والتحرّج من القول بالقرآن قد بيّن أبو عبيدة سببه بقوله (وعليك بالسّداد فقد ذهب الّذين يعلمون فيم أنزل القرآن) (٢). فإذا وجد من يتحرّى السداد ومن يعلم فيم أنزل القرآن فلا شكّ أنه أهل لأن يقول فيه برأيه واجتهاده ؛ لأنه منضبط بأصول علم التفسير وقواعده.
وعلى ذلك لا نستطيع أن نقول إن الصحابة كانوا منقسمين إلى قسمين ، قسم يتورّع عن أن يقول بالقرآن برأيه ، وقسم يقول بالقرآن برأيه. وإنما كانوا يقولون بالقرآن برأيهم. وكانوا يتورّعون أن يقول أحد بالقرآن برأيه عن غير علم متأكّد منه في اللفظة التي تفسّر والجملة التي تبيّن من آيات القرآن ، وكان كذلك التابعون. إلا أنه جاء من بعدهم من اطّلعوا على هذه الأقوال وفهموها أنّها تحذير من القول بالقرآن بالرأي فتورّعوا أن يقولوا فيه. وجاء من اطّلعوا على تفسير الصحابة بالرأي فقالوا بالتفسير بالرأي.
__________________
(١) الموفقات في أصول الشريعة للشاطبي : ج ٣ ص ٣٥٠ : لا بد في علم القرآن من معرفة أسباب التّنزيل. أخرجه سعيد بن منصور في سننه : ج ١ ص ١٨٥ الرقم (٤٤). وابن أبي شيبة في المصنف : ج ١٠ ص ٥١١ ، وأبو عبيد في فضائل القرآن : الرقم (٨٣٠) ، وابن جرير في التفسير :
الرقم (٩٧) : ج ١ ص ٨٦. والبيهقي في شعب الإيمان : الرقم (٢٠٨٥). والتوحيدي في أسباب النزول : ص ٥٠٤. والسيوطي في الإتقان : ج ١ ص ٤١ ، وبعض أسانيده صحيحة.
(٢) مصنف عبد الرزاق : ج ١ ص ٥١١. والطبري : ج ١ ص ٨٩.