قرؤ للحيض ، والطّهر ، وكلمة عزر للإعانة والنصرة ؛ وكذلك للوم والتنكيل وما شابه ذلك. ويحتاج فهم المعنى المراد من الكلمة فهم التركيب ، ولا يمكن أن يفهم معناها بمجرّد مراجعة قواميس اللغة ، بل لا بد من معرفة التركيب الذي وردت فيه هذه الكلمة ، لأن التركيب هو الذي يعيّن المعنى المراد منها. وكما نقول ذلك في المفردات بالنسبة للتراكيب نقوله بالنسبة للتراكيب نفسها ، فإنّها من حيث هي ألفاظ وعبارات مطلقة دالة على معان مطلقة ، وهذه هي دلالتها الأصلية ، وما لم ترد قرينة دالة على غير ذلك ، فإن معناها المطلق هو المراد ، وهذا كثير في القرآن لا يحتاج إلى تمثيل لأنه الأصل.
وأمّا بالنّسبة للقسم الثّاني وهو كون التراكيب ألفاظا وعبارات دالّة على معاني خادمة للألفاظ والعبارات المطلقة ، فإن كلّ خبر يقال في الجملة يقتضي بيان ما يقصد في الجملة بالنسبة لذلك الخبر. فتوضع الجملة على وضع يؤدّي ذلك القصد بحسب المخبر ، والمخبر عنه ، ونفس الإخبار ، في الحال التي وجد عليها ، وفي المساق الذي سيقت به الجملة ، وفي نوع الأسلوب من الإيضاح والإخفاء والإيجاز والاطناب وغير ذلك. فإنك تقول في ابتداء الإخبار : قام زيد ، إن لم تكن عناية بالمخبر عنه بل بالخبر. فإن كانت العناية بالمخبر عنه قلت : زيد قام. وفي جواب السؤال أو هو منزّل منزلة السؤال قلت : إنّ زيدا قام. وفي جواب المنكر : والله إنّ زيدا قام ، وفي إخبار من يتوقع قيام زيد : قد قام زيد ، إلى غير ذلك من الأمور التي يجب أن تلاحظ في النصوص العربية.
وقد جاء القرآن مستوفيا هاتين النظرتين ، فجاءت الألفاظ والعبارات المطلقة الدالّة على معان مطلقة ، وجاءت فيه الألفاظ والعبارات المقيّدة الدالة على معان خادمة للمعاني المطلقة ، في وجوه متعددة من البلاغة. ومن أروع ما روعي فيه وجود المعاني الخادمة ، التي هي الدلالة التابعة ، الآيات وأجزاء الآيات التي تتكرّر في القرآن في السّورة الواحدة والسور المختلفة ، وكذلك القصص والجمل التي تتكرر في القرآن ، وما جاء فيه من تقديم المحمول على الموضوع ، ومن التأكيد بأنواع التأكيد أو بنوع واحد حسب مساق الجملة ، ومن الاستفهامات الإنكارية وغير ذلك ، مما يتضمّن أعلى أنواع الدلالة التابعة. فإنك تجد الآية أو جزء الآية أو الجملة أو القصة ، تأتي في مساق على وجه في بعض السور ، وتأتي على وجه آخر في سورة أخرى ، وتأتي على