وقوله سبحانه : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) يحتمل معنيين : أحدهما : أن يكون خبرا عن البعث ، أي كما اخترعنا الخلق أوّلا على غير مثال كذلك ننشئهم تارة أخرى ، فنبعثهم من القبور.
والثاني أن يكون خبرا عن أنّ كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا ، ويؤيد هذا قوله صلىاللهعليهوسلم : «يحشر / النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)» (١).
وقوله : (كَما بَدَأْنا) الكاف متعلّقة بقوله : (نُعِيدُهُ) ، وقالت فرقة : (الزَّبُورِ) هنا يعم جميع الكتب المنزّلة ؛ لأنه مأخوذ من : زبرت الكتاب إذا كتبته ، و (الذِّكْرِ) أراد به اللّوح المحفوظ ، وقالت فرقة : (الزَّبُورِ) هو زبور داود عليهالسلام ، و (الذِّكْرِ) : التوراة.
وقالت فرقة : (الزَّبُورِ) : ما بعد التوراة من الكتب ، و (الذِّكْرِ) : التوراة.
وقالت فرقة : (الْأَرْضَ) هنا : أرض الدنيا ، أي : كل ما يناله المؤمنون من الأرض ، وقالت فرقة : أراد أرض الجنة ، واستشهدوا بقوله تعالى : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) [الزمر : ٧٤].
(إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (١١٢)
وقوله سبحانه : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً) : الإشارة ب «هذا» إلى هذ الآيات المتقدمة في قول فرقة.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٦ / ٤٤٥) كتاب أحاديث الأنبياء : باب قول الله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) حديث (٣٣٤٩) ، وأطرافه في (٣٤٤٧ ، ٤٦٢٥ ، ٤٦٢٦ ، ٤٧٤٠ ، ٦٥٢٤ ، ٦٥٢٥ ، ٦٥٢٦) ، ومسلم (٤ / ٢١٩٤ ـ ٢١٩٥) كتاب الجنة وصفة نعيمها : باب فناء الدنيا ، حديث (٥٠٨ / ٢٨٦٠) ، والترمذي (٤ / ٦١٥ ـ ٦١٦) كتاب صفة القيامة : باب ما جاء في شأن الحشر ، حديث (٢٤٢٣) ، والنسائي (٤ / ١١٤) كتاب الجنائز : باب البعث ، حديث (٢٠٨٢) من حديث ابن عباس وقال الترمذي : حسن صحيح.