ـ رحمهالله ـ : ومن مكائد الشيطان أن يشغلك [في الصلاة بفكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات ؛ لتمتنع عن فهم ما تقرأه ، واعلم أنّ كلّ ما أشغلك] (١) عن معاني قراءتك فهو وسواس ؛ فإنّ حركة اللسان غير مقصودة ؛ بل المقصود معانيها ، انتهى من «الإحياء».
وروي عن مجاهد (٢) : أنّ الله تعالى لما خلق الجنّة ، وأتقن حسنها قال : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ثم وصف تعالى هؤلاء المفلحين : فقال : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) والخشوع التطامن ، وسكون الأعضاء ، والوقار ، وهذا إنّما يظهر في الأعضاء ممّن في قلبه خوف واستكانة ؛ لأنّه إذا خشع قلبه خشعت جوارحه ، وروي أنّ سبب الآية أنّ المسلمين كانوا يلتفتون في صلاتهم يمنة ويسرة ؛ فنزلت هذه الآية ، وأمروا أن يكون [بصر] (٣) المصلّي حذاء قبلته أو بين يديه ، وفي الحرم إلى الكعبة ، و (اللَّغْوِ) : سقط القول ، وهذا يعمّ جميع ما لا خير فيه ، ويجمع آداب الشرع ، وكذلك كان النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، أي : يعرضون عن اللغو ، وكأنّ الآية فيها موادعة.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) ذهب الطبريّ (٤) وغيره إلى : أنّها الزكاة المفروضة في الأموال ، وهذا بيّن ، ويحتمل اللفظ أن يريد بالزكاة : الفضائل ، كأنه أراد الأزكى من كل فعل ؛ كما قال تعالى : (خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) [الكهف : ٨١].
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١١)
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) إلى قوله : (هُمُ العادُونَ) يقتضي تحريم الزنا والاستمناء ومواقعة البهائم ، وكلّ ذلك داخل في قوله : (وَراءَ ذلِكَ) ويريد : وراء هذا الحدّ الذي حدّ ، والعادي : الظالم ، والأمانة والعهد يجمع كلّ ما تحمّله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلا. وهذا يعمّ معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك ، ورعاية ذلك حفظه والقيام به ، والأمانة أعمّ من العهد ؛ إذ كل عهد فهو أمانة ، وقرأ الجمهور :
__________________
(١) سقط في ج.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ١٩٦) (٢٥٤١١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٣٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٢٣٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤) ، وعزاه لابن جرير عن مجاهد.
(٣) سقط في ج.
(٤) ينظر الطبريّ (٩ / ١٩٩)