وقوله تعالى : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ ...) الآية : قال ابن عباس (١) وغيره : الموصوف بالخبث والطيب : الأقوال والأفعال ، وقال ابن زيد (٢) : الموصوف بالخبث والطيب ، النساء والرجال ، ومعنى هذا التفريق بين حكم ابن أبيّ وأشباهه وبين حكم النبي صلىاللهعليهوسلم وفضلاء أصحابه وأمّته.
وقوله تعالى : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) إشارة إلى الطيبين المذكورين ، وقيل : الإشارة ب (أُولئِكَ) إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ ومن في معناها.
وقوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) سبب هذه الآية فيما روى الطبريّ (٣) : أنّ امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله ، إنّي أكون في منزلي على الحال الّتي لا أحبّ أن يراني أحد عليها ، لا والد ولا ولد ، وإنّه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي ، وأنا على تلك الحال ؛ فنزلت هذه (٤) الآية ، ثم هي عامّة في الأمّة غابر الدهر ، وبيت الإنسان : هو الذي لا أحد معه فيه ، أو البيت الذي فيه زوجته أو أمته ، وما عدا هذا ٣٧ أفهو غير بيته ، و (تَسْتَأْنِسُوا) معناه : تستعملوا / من في البيت ، وتستبصروا ، تقول : آنست : إذا علمت عن حسّ وإذا أبصرت ؛ ومنه قوله تعالى : (آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) [النساء : ٦].
و «استأنس» وزنه : استفعل ، فكأنّ المعنى في (تَسْتَأْنِسُوا) : تطلبوا أن تعلموا ما يؤنسكم ويؤنس أهل البيت منكم ، وإذا طلب الإنسان أن يعلم أمر البيت الذي يريد دخوله ، فذلك يكون بالاستئذان على من فيه ، أو بأن يتنحنح ويشعر بنفسه بأي وجه أمكنه ، ويتأنّى قدر ما يتحفظ منه ، ويدخل إثر ذلك.
وذهب الطبريّ (٥) في : (تَسْتَأْنِسُوا) إلى أنّه بمعنى حتى تؤنسوا أهل البيت بأنفسكم بالتنحنح والاستئذان ونحوه ، وتؤنسوا نفوسكم بأن تعلموا أن قد شعر بكم.
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٩٣) برقم (٢٥٨٩١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٧٤) ، وابن كثير (٣ / ٢٨٧) ، والسيوطي (٥ / ٦٦) ، وعزاه لابن جرير ، ولابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٩٥) برقم (٢٥٩٠٥) ، وذكره البغوي (٣ / ٣٣٥) ، وابن عطية (٤ / ١٧٤) ، وابن كثير (٣ / ٢٧٨)
(٣) ينظر : «الطبريّ» (٩ / ٢٩٧)
(٤) أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (٩ / ٢٩٧) رقم (٢٥٩٢١) عن عدي بن ثابت.
(٥) ينظر : «الطبريّ» (٩ / ٢٩٨)