قال ع (١) : وتصريف الفعل يأبى أن يكون من أنس ، وقرأ أبيّ وابن عباس (٢) : «حتى تستأذنوا وتسلّموا» وصورة الاستئذان أن يقول الإنسان : السلام عليكم ، أأدخل؟ فإن أذن له دخل ، وإن أمر بالرجوع انصرف ، وإن سكت عنه استأذن ثلاثا ثم ينصرف ، جاءت في هذا كله آثار ، والضمير في قوله : (تَجِدُوا فِيها) : للبيوت التي هي بيوت الغير ، وأسند الطبريّ (٣) عن قتادة أنه قال : قال رجل من المهاجرين : لقد طلبت عمري كلّه هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي : ارجع ، فأرجع وأنا مغتبط (٤) ؛ لقوله تعالى : (هُوَ أَزْكى لَكُمْ).
وقوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) توعّد لأهل التجسّس.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣١)
وقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ...) الآية : أباح سبحانه في هذه الآية رفع الاستئذان في كلّ بيت لا يسكنه أحد ؛ لأنّ العلّة في الاستئذان خوف الكشفة على المحرّمات ، فإذا زالت العلّة زال الحكم ، وباقي الآية بيّن ظاهر التوعد ، وعن مالك رحمهالله : أنه بلغه أنّه كان يستحبّ إذا دخل البيت غير المسكون ، أن يقول
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٧٥)
(٢) ينظر : «المحتسب» (٢ / ١٠٧) ، و «مختصر شواذ ابن خالويه» ص ١٠٣ ، ولكنه حكاها هكذا : «حتى يسلموا على أهلها ويستأذنوا» ، ونسبها إلى ابن مسعود وابن عباس. وأما قراءة أبي عنده ـ فهي : حتى يسلموا ويستأذنوا».
وينظر : «الكشاف» (٣ / ٢٢٧) ، و «المحرر الوجيز» (٤ / ١٧٥)
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٩٩) برقم (٢٥٩٣٣) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٧٦) ، وابن كثير (٣ / ٢٨١) ، والسيوطي (٥ / ٧٢) ، وعزاه لأبي يعلى ، وابن مردويه عن أنس.