وقوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ) عطف على قوله : (كَسَرابٍ) وهذا المثال الأخير تضمن صفة أعمالهم في الدنيا ، أي أنّهم من الضلال في مثل هذه الظلمات المجتمعة من هذه الأشياء ، وذهب بعض الناس إلى أنّ في هذا المثال أجزاء تقابل أجزاء من الممثّل به فقال : الظلمات : الأعمال الفاسدة والمعتقدات الباطلة ، والبحر اللّجّيّ : صدر الكافر وقلبه ، واللجي معناه : ذو اللجة وهي معظم الماء وغمره ، واجتماع ما به أشدّ لظلمته ، والموج : هو الضلال والجهالة التي قد غمرت قلبه ، والسحاب هو شهوته في الكفر وإعراضه عن الإيمان.
قال ع (١) : وهذا التأويل سائغ وألّا يقدّر هذا التقابل سائغ.
وقوله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) لفظ يقتضي مبالغة الظلمة ، واختلف في هذه اللفظة ، هل معناها أنّه لم يريده البتّة؟ أو المعنى أنّه رآها بعد عسر وشدّة وكاد ألّا يراها ، ووجه ذلك أنّ «كاد» إذا صحبها حرف النفي ، وجب الفعل الذي بعدها ، وإذا لم يصحبها انتفى الفعل ، وكاد معناها : قارب.
وقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) قالت فرقة : يريد في الدنيا ، أي : من لم يهده الله لم يهتد ، وقالت فرقة : أراد في الآخرة ، أي : من لم يرحمهالله وينوّر حاله بالمغفرة والرحمة فلا رحمة له.
قال ع (٢) : والأوّل أبين وأليق بلفظ الآية ، وأيضا فذلك متلازم ، ونور الآخرة إنّما هو لمن نوّر قلبه في الدنيا.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (٤٤)
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية : الرؤية هنا قلبية ، والتسبيح : التنزيه والتعظيم ، والآية عامّة عند المفسرين لكلّ شيء من العقلاء والجمادات.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٨٨)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٨٨)