وقوله تعالى : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) قال الزجّاج (١) وغيره : المعنى : كلّ قد علم [الله] (٢) صلاته وتسبيحه.
وقال الحسن (٣) : المعنى : كلّ قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه.
وقالت فرقة : المعنى : كل قد علم صلاة الله وتسبيح الله اللّذين أمر بهما وهدى إليهما ، فهذه إضافة خلق إلى خالق ، وباقي الآية وعيد ، و (يُزْجِي) معناه : يسوق ، والركام ، الذي يركب بعضه بعضا ويتكاثف ، والودق : المطر ، قال البخاريّ : (مِنْ خِلالِهِ) أي : من بين أضعاف السحاب ، انتهى.
وقوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) قيل : ذلك حقيقة ، وقد جعل الله في السماء جبالا من برد ، وقالت فرقة : ذلك مجاز ، وإنّما أراد وصف كثرته ، وهذا كما تقول : عند فلان جبال من مال وجبال من العلم.
قلت : وحمل اللفظ على حقيقته أولى إن لم يمنع من ذلك مانع ، ومن كتاب «الفرج بعد الشدة» للقاضي أبي على التنوخي ، أحد الرواة عن أبي الحسن الدّار قطنيّ والمختصّين به ـ قال : أخبرنا أبو بكر الصوليّ عن بعض العلماء قال : رأيت امرأة بالبادية ، وقد جاء البرد فذهب بزرعها ، فجاء الناس يعزّونها ، فرفعت رأسها إلى السماء ، وقالت : اللهم أنت المأمول لأحسن الخلف وبيدك التعويض ممّا تلف ، فافعل بنا ما أنت أهله ، فإنّ أرزاقنا عليك وآمالنا مصروفة إليك ، قال : فلم أبرح حتى مرّ رجل من الأجلّاء ، فحدّث بما كان ؛ فوهب لها خمسمائة دينار ، فأجاب الله دعوتها وفرّج في الحين كربتها ، انتهى. والسنا مقصورا : الضوء ، وبالمد : المجد ، والباء في قوله (بِالْأَبْصارِ) يحتمل أن تكون زائدة.
(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ
__________________
(١) ينظر : «معاني القرآن» (٤ / ٤٨)
(٢) سقط في ج.
(٣) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٤ / ١٨٩)