لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥١)
وقوله سبحانه : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) الآية آية اعتبار ، والدابة : كلّ ما دبّ من جميع الحيوان ، وقوله : (مِنْ ماءٍ) قال الجمهور : يعني أنّ خلقة كلّ حيوان فيها ماء ؛ كما خلق آدم من الماء والطين ، وقال النقاش : أراد منيّ (١) الذكور ، والمشي على البطن : للحيّات ، والحوت ، والدود ، وغيره ، وعلى رجلين : للإنسان ، والطير إذا مشى ، وعلى أربع لسائر الحيوان ، وفي مصحف أبيّ بن كعب : «ومنهم من يمشي (٢) على أكثر» فعمّم بهذه الزيادة جميع الحيوان.
وقوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) يعمّ كل ما نصب الله تعالى من آية.
وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ) يعني المنافقين ؛ روي أنّ رجلا من المنافقين اسمه بشر دعاه يهوديّ إلى التحاكم عند النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وكان المنافق مبطلا ، فأبى ، ودعا اليهوديّ إلى كعب بن الأشرف ، فنزلت هذه الآية ، فيه ، والحيف : الميل.
وقوله سبحانه : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ ...) الآية المعنى : إنّما كان الواجب أن يقوله المؤمنون إذا دعوا إلى حكم الله ورسوله ـ سمعنا وأطعنا.
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٥٤)
وقوله سبحانه : (وَمَنْ يُطِعِ / اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) قال الغزاليّ في «المنهاج» : التقوى في القرآن تطلق على ثلاثة أشياء :
أحدها : بمعنى الخشية والهيبة ؛ قال الله عزوجل : (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) [البقرة : ٤١]. وقال سبحانه : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة : ٢٨١].
والثاني : بمعنى الطاعة والعبادة ؛ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢]. قال ابن عباس : أطيعوا الله حقّ طاعته ، وقال مجاهد : هو أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر.
__________________
(١) في ج : أراد منية.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٩١) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٤٢٨)