وقوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ـ بيّن لا يحتاج إلى تفسير.
(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) : هن اللواتي قد أسنّ وقعدن عن الولد ، واحدتهن قاعد ، وقال ربيعة : هي هنا التي تستقذر من كبرها ، قال غيره : وقد تقعد المرأة عن الولد وفيها مستمتع ، ولما كان الغالب من النساء أنّ ذوات هذا السنّ لا مذهب للرجال فيهنّ ـ أبيح لهنّ ما لم يبح لغيرهنّ ، وقرأ (١) ابن مسعود وأبيّ : «أن يضعن من ثيابهنّ» والعرب تقول : امرأة ، واضع للتي كبرت ، فوضعت خمارها ، ثم استثنى عليهن في وضع الثياب ألّا يقصدن به التبرّج وإبداء الزينة ؛ فربّ عجوز يبدو منها الحرص على أن يظهر لها جمال ، والتبرج : طلب البدوّ والظهور للعين ، ومنه : بروج مشيّدة ، والذي أبيح وضعه لهن الجلباب الذي فوق الخمار والرداء ، قاله ابن مسعود (٢) وغيره ، ثم ذكر تعالى أنّ تحفّظ الجميع منهنّ ، واستعفافهنّ عن وضع الثياب ، والتزامهنّ ما يلتزم الشواب من الستر ـ أفضل لهنّ وخير.
وقوله تعالى : «والله سميع عليم» : أي : سميع لما يقول كلّ قائل وقائلة ، عليم بمقصد كل أحد ، وفي هاتين الصفتين توعد وتحذير.
(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٦١)
وقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) إلى قوله (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ظاهر الآية وأمر الشريعة : أنّ الحرج عنهم مرفوع في كل ما يضطرهم إليه العذر ، وتقتضي نيتهم الإتيان به بالأكمل ، ويقتضي العذر أن يقع منهم الأنقص ، فالحرج مرفوع عنهم في هذا ، وللناس أقوال في الآية وتخصيصات يطول ذكرها ، وذكر الله تعالى
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٩٥)
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٣٤٩) برقم (٢٦٢٠٦ ، ٢٦٢٠٧) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٩٥) ، وابن كثير (٣ / ٣٠٤) ، والسيوطي (٥ / ١٠٤) ، وعزاه لعبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي في «السنن» عن ابن مسعود.