قوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [البقرة : ١٨٨] ففي التعدي والخدع ونحوه ، وأمّا هذه الآية ففي إباحة طعام هذه الأصناف التي يسرها ـ استباحة طعامها على هذه الصفة ، وأمّا آية الإذن فعلة إيجاب الاستئذان خوف الكشفة ، فإذا استأذن المرء ودخل المنزل بالوجه المباح صحّ له بعد ذلك أكل الطعام بهذه الإباحة ، وليس يكون في الآية نسخ فتأمله.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٦٤)
وقوله / تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ...) الآية : إنّما هنا : للحصر ، والأمر الجامع يراد به ما للإمام حاجة إلى جمع الناس فيه لمصلحة ، فالأدب اللازم في ذلك ألّا يذهب أحد لعذر إلّا بإذنه ، والإمام الذي يترقّب إذنه هو إمام الإمارة ، وروي : أنّ هذه الآية نزلت في وقت حفر النبي صلىاللهعليهوسلم خندق المدينة ، فكان المؤمنون يستأذنون ، والمنافقون يذهبون دون إذن ، ثم أمر تعالى نبيّه عليهالسلام بالاستغفار لصنفي المؤمنين : من أذن له ، ومن لم يؤذن [له] (١). وفي ذلك تأنيس للمؤمنين ورأفة بهم.
وقوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) أي : لا تخاطبوه كمخاطبة بعضكم لبعض ، وأمرهم تعالى في هذه الآية وفي غيرها أن يدعوا رسول الله بأشرف أسمائه ؛ وذلك هو مقتضى التوقير ، فالأدب في الدعاء أن يقول : يا رسول الله ، ويكون ذلك بتوقير وبرّ ، وخفض صوت ، قاله مجاهد (٢) ، واللواذ : الروغان ، ثم أمرهم تعالى بالحذر من عذاب الله ونقمته إذا خالفوا أمره ومعنى (يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أي : يقع خلافهم بعد أمره ، ثم أخبر تعالى أنّه قد علم ما أهل الأرض والسماء عليه ، وباقي الآية بيّن ، والحمد لله.
__________________
(١) سقط في ج.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٣٦٠) برقم (٢٦٢٦٢ ، ٢٦٢٦٣) ، وذكره البغوي (٣ / ٣٥٩) ، وابن عطية (٤ / ١٩٨) ، وابن كثير (٣ / ٣٠٦) ، والسيوطي (٥ / ١١١) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.