يعلوه في البيوت ، ويشتغل بغيره ، وروى أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من علّق مصحفا ، ولم يتعاهده ـ جاء يوم القيامة متعلّقا به يقول : يا ربّ ، هذا اتّخذني مهجورا ؛ اقض بيني وبينه» وفي حلية النووي قال : وروينا في «سنن أبي داود» و «مسند الدّارميّ» عن سعد بن عبادة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : لمن قرأ القرآن ثمّ نسيه ، لقي الله تعالى يوم القيامة أجذم» (١) ، وروينا في كتاب أبي داود والترمذيّ عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «عرضت عليّ أجور أمّتي حتّى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت عليّ ذنوب أمّتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها» (٢) تكلم الترمذيّ فيه ، انتهى ، ثم سلّاه تعالى عن فعل قومه بقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) أي : فاصبر كما صبروا ؛ قاله ابن عباس (٣) ، ثم وعد تعالى بقوله : (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) والباء في (بِرَبِّكَ) : للتأكيد دالّة على الأمر ؛ إذ المعنى : اكتف بربك.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٤) (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) قال ابن عباس (٥) وغيره : قالوا في بعض معارضاتهم : لو كان من عند الله لنزل جملة كالتوراة والإنجيل.
وقوله : (كَذلِكَ) يحتمل أن يكون من قول الكفّار ؛ إشارة إلى التوراة والإنجيل ، ويحتمل أن يكون من الكلام المستأنف وهو أولى ، ومعناه : كما نزّل أردناه ، فالإشارة إلى نزوله متفرّقا ، والترتيل : التفريق بين الشيء المتتابع ، ومنه ترتيل القرآن ، وجعل الله تعالى السبب في نزوله متفرقا : تثبيت قلب نبيّه محمد صلىاللهعليهوسلم وأن ينزله في النوازل والحوادث التي
__________________
(١) أخرجه أبو داود (١ / ٤٦٥) كتاب الصلاة : باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه ، حديث (١٤٧٤) ، والدارمي (٢ / ٤٣٧) كتاب «فضائل القرآن» : باب من تعلم القرآن ثم نسيه ، وأحمد (٥ / ٣٢٣) من حديث سعد بن عبادة.
(٢) أخرجه أبو داود (١ / ١٧٩) كتاب «الصلاة» : باب في كنس المساجد ، حديث (٤٦١) ، والترمذيّ (٥ / ١٧٨ ـ ١٧٩) كتاب «فضائل القرآن» : باب (١٩) حديث (٢٩١٦) ، وكلاهما من طريق المطلب بن حنطب عن أنس بن مالك مرفوعا.
وقال الترمذيّ : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه ، واستغربه. قال محمد : ولا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعا من أحد من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم إلا قوله : حدثني من شهد خطبة النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال : وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن (هو الدارمي) يقول : لا نعرف للمطلب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم قال عبد الله : وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس.
(٣) أخرجه الطبريّ (٩ / ٣٨٦) برقم (٢٦٣٥٨) بنحوه ، والسيوطي (٥ / ١٢٧)
(٤) في ج «وقالوا الذين كفروا».
(٥) ذكره ابن عطية (٤ / ٢٠٩) ، والسيوطي (٥ / ١٢٧) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والضياء في «المختارة» عن ابن عباس.