قد قدّرها وقدّر نزوله فيها ، وأنّ هؤلاء الكفرة لا يجيئون بمثل يضربونه على جهة المعارضة منهم إلّا جاء القرآن بالحقّ في ذلك والجلية ، ثم هو أحسن تفسيرا ، وأفصح بيانا ، وباقي الآية بيّن تقدم تفسير نظيره ، والجمهور : أنّ هذا المشي على الوجوه حقيقة ، وقد جاء كذلك في الحديث ، وقد تقدّم ، ولفظ البخاريّ عن أنس [رضي الله عنه] : / أنّ رجلا قال : يا نبيّ الله ، أيحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال : «أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدّنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» (١) قال قتادة : بلى وعزّة ربّنا ، انتهى.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٤٤)
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ...) الآيات تنبيه لكفار قريش ، وتوعّد أن يحلّ بهم ما حلّ بهؤلاء المعذّبين ؛ قال قتادة (٢) : أصحاب الرسّ ، وأصحاب الأيكة : قومان أرسل إليهما شعيب ، وقاله وهب (٣) بن منبه ، وقيل غير هذا.
وقوله تعالى : (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) إبهام لا يعلم حقيقته إلّا الله عزوجل ، والتبار : الهلاك ، والقرية التي أمطرت مطر السوء هي : «سدوم» مدينة قوم لوط ، وما لم نذكر تفسيره قد تقدم بيانه للفاهم المتيقظ ، ثم ذكر سبحانه أنّهم إذا رأوا محمدا عليهالسلام قالوا على جهة الاستهزاء : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً).
قال ص : (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) [إن] (٤) نافية ، جواب «إذا» ، انتهى ، ثم آنس الله تعالى نبيّه بقوله : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ...) الآية ، المعنى : لا تتأسف عليهم ،
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) ذكره ابن عطية (٤ / ٢١٠) ، والسيوطي (٥ / ١٢٩) ، وعزاه لابن عساكر.
(٣) ذكره ابن عطية (٤ / ٢١١)
(٤) سقط في ج.