القرى إلّا بعد إرسال من ينذرهم عذاب الله عزوجل ؛ ذكرى لهم وتبصرة.
وقوله تعالى : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) الضمير في (بِهِ) عائد على القرآن.
(إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (٢١٧)
وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) أي : لأنّ السماء محروسة بالشّهب الجارية إثر الشياطين ، ثم وصّى تعالى نبيه بالثبوت على التوحيد والمراد : أمّته فقال : (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ...) الآية.
وقوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ...) الآية : وفي «صحيح البخاريّ» وغيره عن ابن عباس : لما نزلت هذه الآية خرج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حتّى صعد الصفا ، فهتف : «يا صباحاه ، فقالوا : من هذا؟ فاجتمعوا إليه ، فقال : أرأيتم إن أخبرتكم أنّ خيلا تخرج من ٥٠ أسفح هذا الجبل ، أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا : / نعم ، ما جرّبنا عليك كذبا ، قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» الحديث (١) ، وخصّ بإنذاره عشيرته ؛ لأنّهم مظنّة الطواعية ؛ وإذ يمكنه من الإغلاظ عليهم ما لا يحتمله غيرهم ، ولأنّ الإنسان غير متّهم على عشيرته ، والعشيرة : قرابة الرجل ، وخفض الجناح : استعارة معناه : لين الكلمة ، وبسط الوجه ، والبرّ ، والضمير في (عَصَوْكَ) عائد على عشيرته ، ثم أمر تعالى نبيه عليهالسلام بالتوكل عليه في كل أموره ، ثم جاء بالصفات التي تؤنس المتوكل وهي العزة والرحمة.
(الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢٢٠)
وقوله : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) يراك عبارة عن الإدراك ، وظاهر الآية أنّه أراد قيام الصلاة ، ويحتمل سائر التصرفات ؛ وهو تأويل مجاهد وقتادة (٢).
وقوله سبحانه : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) قال ابن عباس (٣) وغيره : يريد أهل
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٣٦٠) كتاب التفسير : باب (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) حديث (٤٧٧٠) من حديث ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٤٨٥) برقم (٢٦٨١٤) عن مجاهد ، وذكره البغوي (٣ / ٤٠٢) عن مجاهد ، وابن عطية (٤ / ٢٤٦) ، وابن كثير (٣ / ٣٥٢) عن قتادة ، والسيوطي (٥ / ١٨٣) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن مجاهد ، ولعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبريّ (٩ / ٤٨٥) برقم (٢٦٨١٥) بنحوه ، وذكره البغوي (٣ / ٤٠٢) ، وابن عطية (٤ / ٢٤٦) ، والسيوطي (٥ / ١٨٣) ، وعزاه لابن المنذر عن ابن عباس.