بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (١٤)
وقوله سبحانه : (وَأَلْقِ عَصاكَ ...) الآية ، أمره ـ تعالى ـ بهذين الأمرين إلقاء العصا ، وأمر اليد تدريبا له في استعمالهما ، والجان : الحيات ؛ لأنها تجنّ أنفسها ؛ أي : تسترها. وقالت فرقة : الجانّ : صغار الحيّات.
وقوله تعالى : (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) ، أي : ولّى فارّا. قال مجاهد : ولم يرجع (١) ، وقال قتادة : ولم يلتفت (٢).
قال ع (٣) : وعقّب الرجل إذا ولّى عن أمر ؛ ثم صرف بدنه أو وجهه إليه ـ ثم ناداه سبحانه مؤنسا له : (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ).
وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) قال الفرّاء ؛ وجماعة : الاستثناء منقطع ، وهو إخبار عن غير الأنبياء ، كأنّه سبحانه ـ قال : لكن من ظلم من النّاس ثمّ تاب ؛ فإنّي غفور رحيم ، وهذه الآية تقتضي المغفرة للتّائب ، والجيب الفتح في الثوب لرأس الإنسان.
وقوله تعالى : (فِي تِسْعِ آياتٍ) متّصل بقوله : (أَلْقِ وَأَدْخِلْ يَدَكَ) وفيه اقتضاب (٤) وحذف ، والمعنى في جملة تسع آيات ، وقد تقدّم بيانها ، والضمير في (جاءَتْهُمْ) لفرعون وقومه ، وظاهر قوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها) حصول الكفر عنادا ؛ وهي مسألة خلاف ؛ قد تقدّم بيانها و (ظُلْماً) معناه : على غير استحقاق للجحد ، والعلوّ في الأرض أعظم آفة على طالبه ، قال الله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) [القصص : ٨٣].
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ٤٩٨) رقم (٢٦٨٨٠) ، وابن عطية (٤ / ٢٥١) ، والسيوطي (٥ / ١٩٢) ، وعزاه للفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٤٩٨) رقم (٢٦٨٨٢) ، والبغوي (٣ / ٤٠٧) ، وابن عطية (٤ / ٢٥١) ، والسيوطي (٥ / ١٩٢) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٣) ينظر : «المحرر» (٤ / ٢٥١)
(٤) القضب : القطع. ومنه قيل : اقتضبت الحديث ، إنما هو انتزعته واقتطعته.
ينظر : «لسان العرب» (٣٦٥٩)