وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (١٨).
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ...) الآية ، هذا ابتداء قصص فيه غيوب وعبر.
(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ، أي : ورث ملكه ومنزلته من النبوّة ؛ بعد موت أبيه ، وقوله : «علّمناه منطق الطير» إخبار بنعمة الله تعالى عندهما ؛ في أن فهّمهما من أصوات الطير المعاني التي في نفوسها ، وهذا نحو ما كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يسمع أصوات الحجارة بالسّلام عليه ؛ وغير ذلك حسب ما هو في الآثار.
قال قتادة وغيره : إنّما كان هذا الأمر في الطير خاصة ، والنملة طائر ؛ إذ قد يوجد لها جناحان(١).
وقالت فرقة : بل كان ذلك في جميع الحيوان ؛ وإنما خصّ الطير ؛ لأنّه كان جندا من جنود سليمان ؛ يحتاجه في التظليل من الشمس ؛ وفي البعث في الأمور. والنّمل حيوان فطنّ قويّ شمّام جدّا ؛ يدّخر ويتخذ القرى ويشقّ الحبّ بقطعتين لئلّا ينبت ، ويشقّ الكزبرة بأربع قطع ؛ لأنها تنبت إذا قسّمت شقين ، ويأكل في عامه نصف ما جمع ، ويستبقي سائره عدّة. قال ابن العربي في «أحكامه (٢)» : ولا خلاف عند العلماء في أنّ الحيوانات كلّها لها أفهام وعقول ، وقد قال الشافعيّ : الحمام أعقل الطير ، انتهى.
وقوله : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) معناه : يصلح لنا ونتمنّاه ؛ وليست على العموم. ثمّ ذكر شكر فضل الله تعالى ، واختلف في مقدار جند سليمان عليهالسلام اختلافا شديدا ؛ لا أرى ذكره ؛ لعدم صحة التحديد ، غير أنّ الصحيح في هذا أنّ ملكه كان عظيما ملأ الأرض ، وانقادت له المعمورة كلّها ، وكان كرسيّه يحمل أجناده من الأنس والجنّ ، وكانت الطير تظلّه من الشمس ، ويبعثها في الأمور ، و (يُوزَعُونَ) معناه : يردّ أولهم إلى آخرهم ، ويكفون ، قال قتادة : فكأنّ لكلّ صنف / (٣) وزعة ، ومنه قول الحسن البصريّ حين ولي قضاء البصرة : لا بدّ للحاكم من وزعة (٤) ، ومنه قول أبي قحافة للجارية : ذلك يا بنيّة
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٤ / ٢٥٣)
(٢) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١٤٤٩)
(٣) ذكره البغوي (٣ / ٤١٠) ، وابن عطية (٤ / ٢٥٣)
(٤) ذكره ابن عطية (٤ / ٢٥٣)