صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (٨٢)
وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، هذه الآية معناها واضح مما تقدّم في غيرها. ثم ذكر ـ تعالى ـ استعجال كفار قريش أمر الساعة والعذاب بقولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) على معنى التعجيز ، و (رَدِفَ) معناه : قرب وأزف ؛ قاله ابن عباس (١) وغيره ، ولكنّها عبارة عما يجيء بعد الشيء قريبا منه ، والهاء في (غائِبَةٍ) للمبالغة ، أي ما من شيء في غاية الغيب والخفاء إلّا في كتاب عند الله وفي مكنون علمه ، لا إله إلا هو. ثم نبّه ـ ٥٤ ب تعالى ـ على أنّ / هذا القرآن يقصّ على بني إسرائيل أكثر الأشياء التي كان بينهم اختلاف في صفتها ، جاء بها القرآن على وجهها ، (وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) كما أنه عمى على الكافرين المحتوم عليهم ، ثم سلّى نبيّه بقوله : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) فشبّههم مرة بالموتى ، ومرة بالصّمّ من حيث إنّ فائدة القول لهؤلاء معدومة.
وقرأ حمزة (٢) : «وما أنت تهدي العمي» بفعل مستقبل ، ومعنى قوله تعالى (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) ، أي : إذا انتجز وعد عذابهم الذي تضمّنه القول الأزلي من الله في ذلك ، وهذا بمنزلة قوله تعالى : (حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ) [الزمر : ٧١] ، فمعنى الآية وإذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه لهم من العذاب أخرج لهم دابّة من الأرض ، وروي أن ذلك حين ينقطع الخير ، ولا يؤمر بمعروف ، ولا ينهى عن منكر ، ولا يبقى منيب ولا تائب ،
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (١٠ / ١٠) رقم (٢٧٠٧٧ ـ ٢٧٠٧٨) بنحوه ، وابن عطية (٤ / ٢٦٩) ، وابن كثير (٣ / ٣٧٣) بنحوه ، والسيوطي (٥ / ٢١٥) بنحوه ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٢) ينظر : «السبعة» ٤٨٦ ، و «الحجة» (٥ / ٤٠٤) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ١٦٣) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٢٤٦) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ١١٦) ، و «العنوان» (١٤٦) ، و «شرح شعلة» (٥٣٠) ، و «إتحاف» (٢ / ٣٣٤)