(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) (٨٧)
وقوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) : هو تذكير بيوم القيامة ، والفوج : الجماعة الكثيرة ، و (يُوزَعُونَ) معناه : يكفّون في السوق ، يحبس أولهم على آخرهم (١) ؛ قاله قتادة ، ومنه وازع الجيش ، ثم أخبر ـ تعالى ـ عن توقيفه الكفرة يوم القيامة وسؤالهم على جهة التوبيخ : (أَكَذَّبْتُمْ ...) الآية ، ثم قال : (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) على معنى استيفاء الحجج ، أي : إن كان لكم عمل أو حجّة فهاتوها. ثم أخبر عن وقوع القول عليهم ، أي : نفوذ العذاب وحتم القضاء وأنهم لا ينطقون بحجّة ، وهذا في موطن من مواطن القيامة. ولما تكلّم المحاسبيّ على أهوال القيامة ، قال : واذكر الصراط بدقّته وهوله ؛ وزلّته وعظيم خطره ؛ وجهنم تخفق بأمواجها من تحته ، فيا له من منظر ؛ ما أفظعه وأهوله ، فتوهّم ذلك بقلب فارغ ، وعقل جامع ، فإن أهوال يوم القيامة إنما خفّت على الذين توهّموها في الدنيا بعقولهم ، فتحملوا في الدنيا الهموم خوفا من مقام ربّهم ، فخفّفها مولاهم يوم القيامة عنهم ، انتهى من «كتاب التوهم».
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) وهو القرن في قول جمهور الأمة ، وصاحب الصور هو إسرافيل ـ عليهالسلام ـ ، وهذه النفخة المذكورة هنا هي نفخة / الفزع ، وروى أبو هريرة (٢) أنها ثلاث نفخات : نفخة الفزع ، وهو فزع حياة الدّنيا وليس بالفزع الأكبر ، ونفخة الصعق ، ونفخة القيام من القبور. وقالت فرقة : إنما هما نفختان : كأنهم جعلوا الفزع والصعق في نفخة واحدة مستدلين بقوله تعالى : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى ...) الآية [الزمر : ٦٨]. قالوا : وأخرى لا يقال إلا في الثانية. قال ع (٣) : والأول أصحّ ، وأخرى يقال في الثالثة ، ومنه قوله تعالى : (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى). [النجم : ٢٠].
وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) استثناء فيمن قضى الله سبحانه من ملائكته ، وأنبيائه ، وشهداء عبيده أن لا ينالهم فزع النّفخ في الصور ، حسب ما ورد في ذلك من الآثار.
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (١٠ / ١٧) رقم (٢٧١١٣) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٢٧١) ، وابن كثير (٣ / ٣٧٦) بنحوه.
(٢) ذكره ابن عطية (٤ / ٢٧٢)
(٣) ينظر : «المحرر» (٤ / ٢٧٢)