التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) (٥٤)
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا ...) الآية. قال الحسن بن أبي الحسن : ذلك في الكفّار عند خروجهم من القبور في القيامة (١).
قال ع (٢) : وهو أرجح الأقوال هنا ، وأمّا معنى الآية فهو التعجّب من حالهم إذا فزعوا من أخذ الله إيّاهم ولم يتمكّن لهم أن يفوت منهم أحد (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) ، أي : أنّ الأخذ يجيئهم من قرب في طمأنينتهم وبعقبها ، بينما الكافر يؤمّل ويترجّى إذ غشيه الأخذ ، ومن غشيه أخذ من قريب ؛ فلا حيلة له ولا رويّة ، و (قالُوا آمَنَّا بِهِ) الضمير في (بِهِ) عائد على الله ـ تعالى ـ ، وقيل : على محمد وشرعه والقرآن ، وقرأ نافع وعامّة القرّاء : «التناوش» دون همز ومعناه التناول ، من قولهم ناش ينوش إذا تناول ، وعبارة الواحديّ (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) أي : كيف يتناولون التوبة وقد بعدت عنهم. انتهى.
وقرأ أبو عمرو وحمزة (٣) والكسائيّ : «التناؤش» بالهمز فيحتمل أن يكون تفسيره كالقراءة الأولى ، ويحتمل أن يكون من الطلب ؛ تقول : انتأشت الخير إذا طلبته من بعد.
ت : وقال البخاريّ : التناوش الردّ من الآخرة إلى الدّنيا ، انتهى.
(وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) أي : يرجمون بظنونهم ويرمون بها الرسول وكتاب الله ، وذلك غيب عنهم في قولهم سحر وافتراء وغير ذلك ، قاله مجاهد (٤) ، وقال قتادة : قذفهم بالغيب هو قولهم : لا بعث ولا جنّة ولا نار (٥).
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٨٨) رقم (٢٨٨٩٤) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٤٢٦) ، وابن كثير (٣ / ٥٤٤) ، والسيوطي (٥ / ٤٥١) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الحسن.
(٢) ينظر : «المحرر» (٤ / ٤٢٦)
(٣) ينظر : «السبعة» (٥٣٠) ، و «الحجة» (٦ / ٢٣) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢٢١) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٢٩٧) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ١٥٨) ، و «العنوان» (١٥٧) ، و «حجة القراءات» (٥٩٠) ، و «شرح شعلة» (٥٥٥) ، و «إتحاف» (٢ / ٣٨٩)
(٤) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٩٠) رقم (٢٨٩١٠) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٤٢٧) ، وابن كثير (٣ / ٥٤٥) ، والسيوطي (٥ / ٤٥٤) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٥) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٩١) رقم (٢٨٩١١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٤٢٧) ، وابن كثير (٣ / ٥٤٥) ، والسيوطي (٥ / ٤٥٤) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن قتادة.