دنا منها ، تباعدت منه ، ومشت فإذا رجع عنها اتّبعته ، فلما رأى ذلك أيقن أنّ هذا من أمور الله الخارقة للعادة ، ونودي ، وانقضى أمره كلّه في تلك الليلة ؛ هذا (١) قول الجمهور ، وهو الحقّ ، وما حكي عن ابن عباس : أنّه قال : أقام في ذلك الأمر حولا ، فغير صحيح عن ابن عباس (٢).
و (آنَسْتُ) : معناه : أحسست ، والقبس : الجذوة من النار ، تكون على رأس العود.
والهدى : أراد هدى الطريق ، أي : لعلي أجد مرشدا لي ، أو دليلا.
وفي قصّة موسى بأسرها في هذه السورة تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم عما لقي في تبليغه من المشقّات صلىاللهعليهوسلم والضمير في قوله : (أَتاها) : عائد على النار.
وقوله : «نودي» : كناية عن تكليم الله تعالى له (عليهالسلام).
وقرأ نافع (٣) وغيره : إنّي ـ بكسر الهمزة ـ على الابتداء ، وقرأ أبو عمرو ، وابن كثير : «أني» ـ بفتحها ـ على معنى : لأجل أنّي أنا ربّك ، فاخلع نعليك.
واختلف في السبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين : فقالت فرقة : كانتا من جلد حمار ميّت ، فأمر بطرح النّجاسة.
وقالت فرقة : بل كانت نعلاه من جلد بقرة ذكيّ ؛ لكن أمر بخلعهما لينال بركة الوادي المقدّس ، وتمسّ قدماه تربة الوادي.
قال ع (٤) : وتحتمل الآية معنى آخر ، هو الأليق بها عندي ؛ وهو : أن الله تعالى أمره أن يتأدّب ، ويتواضع ؛ لعظم الحال الّتي حصل فيها ، والعرف عند الملوك : أن تخلع
__________________
(١) في ج : هذا هو.
(٢) ذكره ابن عطية (٤ / ٣٨)
(٣) وكذلك قرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، غير أن نافعا فتح الياء ، وأسكنها الباقون.
ينظر : «السبعة» (٤١٧) ، و «الحجة» (٥ / ٢١٨) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢٨) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٤٣) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٣٩) ، «وحجة القراءات» (٤٥١) ، و «شرح شعلة» (٤٩٠) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٤٤)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٣٩)