(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (٤٦)
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) قيل : هو وحي إلهام ، وقيل : بملك ، وقيل : برؤيا رأتها ، وكان من قصة موسى عليهالسلام فيما روي أن فرعون ذكر له أنّ خراب ملكه يكون على يد غلام من بني إسرائيل ؛ فأمر بقتل ٩ ب كلّ / مولود يولد لبني إسرائيل ، ثم إنه رأى مع أهل مملكته : أنّ فناء بني إسرائيل يعود على القبط بالضرر ؛ إذ هم كانوا عملة الأرض ، والصناع ، ونحو هذا ؛ فعزم على أن يقتل الولدان سنة ، ويستحييهم سنة ، فولد هرون عليهالسلام في سنة الاستحياء ، ثم ولد موسى عليهالسلام في العام الرابع سنة القتل ، فخافت عليه أمّه ؛ فأوحى الله إليها : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) فأخذت (١) تابوتا فقذفت فيه موسى راقدا في فراش ، ثم قذفته في يمّ النيل ، وكان فرعون جالسا في موضع يشرف منه على النّيل إذ رأى التّابوت فأمر به ، فسيق إليه ، وامرأته معه ، ففتح فرأوه فرحمته (٢) امرأته ؛ وطلبته لتتّخذه ابنا ، فأباح لها ذلك ، ثم إنّها عرضته للرّضاع ، فلم يقبل (٣) امرأة فجعلت تنادي عليه في المدينة ، ويطاف به يعرض للمراضع ، فكلما عرضت عليه امرأة أباها ، وكانت أمه قالت لأخته : (قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ) [القصص : ١١] وفهمت أمره ، فقالت لهم : أنا أدلّكم على أهل بيت يكفلونه لكم ، وهم له ناصحون ، فتعلّقوا بها ، وقالوا : أنت تعرفين هذا الصبيّ ، فأنكرت ، وقالت : لا ، غير أني أعلم من أهل هذا البيت الحرص على التقرّب إلى المملكة ، والجدّ في خدمتها ، ورضاها ، فتركوها وسألوها الدّلالة ، فجاءت بأمّ موسى ، فلما قرّبته ، شرب ثديها ، فسرّت بذلك آسية امرأة فرعون (رضي الله عنها) وقالت لها : كوني معي في القصر ، فقالت لها : ما كنت لأدع بيتي وولدي ، ولكنه يكون عندي ، فقالت : نعم ، فأحسنت إلى أهل ذلك البيت غاية الإحسان ،
__________________
(١) في ب : فاتخذت.
(٢) في ج : ورحمته.
(٣) في ج : فلم يقبل للرضاع.